المتحف المصري الكبير: هدية مصر للعالم

صورة واتساب بتاريخ 1447 05 01 في 14.21.21 8c4ffcc8

المتحف المصري الكبير: هدية مصر للعالم

بقلم الدكتورة / ريهام حسن عبدالعزيز- أستاذ مساعد- كلية الآثار- جامعة عين شمس

صورة واتساب بتاريخ 1447 05 01 في 14.17.57 d3864059

 

بعد سنوات من التخطيط والبناء، يستعدّ العالم لاستقبال أحد أعظم مشاريعه الثقافية في العصر الحديث: المتحف المصري الكبير، المقرّر افتتاحه في الأول من نوفمبر.*

إن افتتاح المتحف المصري الكبير يُعدّ حدثًا تاريخيًا بكل ما تحمله الكلمة من معنى، ليس لمصر وحدها، بل للعالم أجمع. فهو ليس مجرد متحف جديد يُضاف إلى خريطة المعالم الثقافية، بل مشروع حضاري يليق بعظمة الحضارة المصرية القديمة، ويعكس روح الجمهورية الجديدة.

لقد نُفّذ المتحف وفقًا لأعلى المعايير العالمية، بدءًا من التصميم والأعمال الإنشائية، وصولًا إلى التنفيذ على أرض الواقع. وسينتقل الزائر من مجرد المشاهدة التقليدية للآثار إلى تجربة “الانغماس في الحضارة”. إذ تروي القاعات الاثنتا عشرة، المرتبة زمنيًا بحسب فترات التاريخ المصري، قصة متكاملة عن حياة المصري القديم، ملوكًا وشعبًا، في رحلة تبدأ من عصور ما قبل التاريخ حتى العصر اليوناني الروماني.

لن يكون المتحف مجرد مكان لعرض الماضي، بل سيكون منارة للعلم ومركزًا عالميًا للبحث والمعرفة. إذ يضم أحدث مراكز الترميم، وعددها 19 معملًا، منها 6 معامل متخصصة، بالإضافة إلى مكتبة ضخمة ومركز للمؤتمرات، ما يجعله وجهة رئيسية لعلماء المصريات من مختلف أنحاء العالم للدراسة والبحث والتبادل العلمي.

وفي ظل التحديات التي تواجه القطاع السياحي عالميًا، يُمثّل الافتتاح رسالة قوية بأن مصر آمنة ومستقرة، وتفتح ذراعيها للعالم لعرض تراثها الإنساني الفريد. ومن المؤكد أن ذلك سيكون محركًا اقتصاديًا وثقافيًا يعزز مكانة مصر على خريطة السياحة الثقافية العالمية.

يربط المتحف الكبير بين الماضي والحاضر والمستقبل، بموقعه الاستراتيجي الفريد على مقربة من أهرامات الجيزة. ويخلق هذا الموقع مشهدًا حضاريًا متكاملًا، حيث يقف إنجاز الماضي الخالد (الأهرامات) إلى جانب إنجاز الحاضر (المتحف الكبير) في حوار بصري مدهش.

تبلغ مساحة المتحف الكبير نحو 117 فدانًا، ما يجعله أكبر متحف في العالم مخصص لحضارة واحدة. وتقع هذه المدينة المتحفية على بُعد أمتار قليلة من أهرامات الجيزة، في موقع يربط بين أبرز معالم الماضي والحاضر، ويجعل من الجيزة جوهرة في تاج مصر.

ينقسم المتحف إلى عدد من الأجزاء الرئيسية، أبرزها الساحة الكبرى، وهي بوابة الدخول إلى العالم القديم، حيث يستقبل الزائر تمثال ضخم لرمسيس الثاني، أحد أعظم ملوك الدولة الحديثة، إيذانًا ببدء رحلة غير مسبوقة. تؤدي هذه الساحة الواسعة إلى السلالم الكبرى التي تصعد بالزائر إلى القاعات المختلفة. السلم العظيم ليس مجرد ممر، بل هو جزء من التجربة، حيث يصعد الزائر محاطًا بتماثيل الملوك، في صعود رمزي عبر التاريخ، وكأنه موكب ترحيبي، ليصل إلى القاعة الرئيسية الخاصة بالملك توت عنخ آمون، والتي تُعد قلب المتحف ونجمه الساطع. فلأول مرة في التاريخ، ستُعرض جميع مقتنيات الملك الشاب، البالغ عددها 5000 قطعة، في مكان واحد. ولن يكون العرض مجرد استعراض للكنوز، بل رواية متكاملة لقصة حياة الملك، من المهد إلى اللحد، بما في ذلك عربته الحربية الشهيرة وكنوزه الذهبية الخالدة.

تتوالى بعد ذلك القاعات، مثل قاعة العرش وقاعة المومياوات، ثم القاعات الرئيسية المرتبة أفقيًا وفق تسلسل زمني (عصور ما قبل التاريخ، العصر العتيق، الدولة القديمة، الدولة الوسطى، الدولة الحديثة، والعصر المتأخر)، ورأسيًا بحسب الموضوعات (الحياة اليومية، الكتابة، المعتقدات الدينية).

في الختام، فإن افتتاح المتحف المصري الكبير ليس مجرد حدث إعلامي؛ بل هو تتويج لعقود من العمل الدؤوب امتدت لما يقرب من عشرين عامًا، واستعادة للريادة الثقافية، وتقديم هدية مصر للعالم. إنه تأكيد على أن الحضارة المصرية ليست مجرد صفحات في كتب التاريخ، بل واقع حي يتنفس، يستعد لاستقبال الإنسانية جمعاء في الأول من نوفمبر، لترى، وتتعجب، وتتعلم من أقدم حضارة عرفها التاريخ.

مقالات أخرى

رحلة معرفة وعلم وعمل

بقلم الأستاذة الدكتورة/ رضوى إبراهيم

تفاهاتي

بقلم الأديبة المصرية/ هناء سليمان

علاقة مميزة

بقلم الأديبة المصرية/ نهى عصام

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *