المرأة ودورها الريادي في المجتمع على كافة المستويات
بقلم الدكتورة/ عبير خالد يحيى
15/9/2024
لم يعد خافيًا على أحد يدرك ويعقل الدور الأزلي للمرأة في نشوء المجتمعات وتطورها، وهو الدور المقتسم بينها وبين الرجل، مذ خلق الله آدم، ثم خلق حواء لينزلا معًا من جنة الخلد إلى الأرض ليعمراها معًا، ومنذ ذلك الأزل أدركت المرأة حجم المسؤوليات الملقاة على منكبيها، فحملتها مؤمنة بها بصبر وعزيمة وإصرار، ونجحت، والتاريخ يشهد، التاريخ الذي شهد ولادة حضارات كانت فيها المرأة الملكة والحاكمة والوزيرة، والشاعرة والأديبة والعالمة، وما إلى ذلك من مراكز ريادية نافست فيها الرجال بحنكتها وعلمها وحسن إدارتها، فكانت زنوبيا وكليوباترا وهيباتيا والخنساء ووووووو، ولم تُذل المرأة ولم تُنتهك إلا في العصور الظلامية التي كان من أبرز سماتها تقزيم دور المرأة وحجبها عن منابر العلم والثقافة والمعرفة، وحين يغزو الجهل عقول أكثر من نصف المجتمع فإن النتيجة كارثية بحجم الوبال الذي تجرّه الحروب على الشعوب.
الآن للمرأة في المجتمع الدولي دور كبير وفاعل، وإن كان تسليط الإعلام عليه لا يرقى إلى الواقع الحقيقي، ومع ذلك تثابر المرأة في المضي قدمًا إيمانًا منها بالأثر العميق الذي تتركه كقوة ناعمة على مجتمعها بالخصوص والمجتمع الدولي بالعموم، لذلك نراها في كل المجالس السياسية والدولية، تشارك في وضع القوانين في البرلمانات، واتخاذ القرارات السياسية بالتشارك مع الرجال في المحافل السياسية
للمرأة حق امتلاك أملاكها، وهو الحق الذي أعطاها إياه الله جلّ وعلا في الدين الإسلامي والشرائع السماوية، بلا وصاية مجحفة ولا حجر ظالم؛ وعليه، فإن ضمان الاستقلال المادي للمرأة مطلب إنساني وشرعي، ومن العار أننا في القرن الحادي والعشرين ومازلنا نشهد مثل هذه الظواهر الغريبة وما زلنا نطالب بهذا المطلب ونناقش في شرعيته وأحقية المرأة فيه، إن التمكين الاقتصادي للمرأة يجعلها تعمل بثقة تامة وراحة نفسية كبيرة، وحرية بالحركة؛ تضمن انطلاقها في فضاءات الإبداع والابتكار، ولا شك أن هذا سينعكس إيجابًا على سلامها النفسي؛ وهو ما ستعكسه كسلوك خارجي في نشر ثقافة السلام الإنساني .
سأختم كلمتي الموجزة هذه بقصيدة لي أتحدّث فيها عن المرأة الاستثنائية :
طهارة
لِمَ صَمّني الضجيجُ حينما اعتكفتُ بمحراب صمتي؟
البحرُ يحتلُّ أعضائيَ المريضة
لِمَ يقذفُ أمواجَهُ البيضاءَ نحوَ صخورِ جوارحي الناتئة
لِمَ يبلّلُ وجهي؟
لِمَ يتبلورُ فوقَ ملامحي؟
أنا لستُ امرأةً استثنائية
عشراتُ النساء يعشنَ في خلاياي
كلّما تسامرنا، تقصُّ إحداهنّ حكاياتِها
ذاتُ الألسنةِ الحمراء الثلجية
ذاتُ التشقّقاتِ النازفة
وذاتُ الحليماتِ الذوقية
تميّزُ الطعمَ المرَّ والمالحَ ببراعة
ذاتُ الأصواتِ القوية
تخرجُ من ذاتِ الشفاهِ الهزيلة
الصغيرة الكبيرة
المطلية ب ( الرُّوجِ) الرخيص
عاريةٌ ملساءَ مقشّرة..
هي الحقيقة
نرتّبُ حروفَها بالكلمات
نختلفُ في نظمِ تراكيبِها والجمل
تعجزُ اللغاتُ عن التعبير
فتشرحُها عيونُنا الذاهلة
حركاتُ أيدينا العشوائية
تغضّنُ جباهِنا
وجنونُ أفواهِنا المتألّمة
أنا امرأةٌ..
لا استثنائية
هناكَ المئاتُ من النساءِ
أودَعْنَ قلوبَهُنَّ..
وصاياهُنَّ
في قلبي
حتى أُصيبَ بالتضخّم
وصرتُ لا أجدُ متّسعًا لوصيّتي
أحتجُّ
أتألّمُ
أرجو
“ضعيها في قصيدة“–
صرخَتْ إحدى جدّاتي..!
لا أذكرُ اسمَها حتى !
“لا أجيدُ نظمَ القصيدة“–
“اكتبيها نصًّا على ورق” –
انبرَتِ الأخرى.. أشكُّ بصلةِ القربى بيني وبينها
“ورق؟” –
وتذكّرتُ يومًا أنّي كتبتُها نصًّا ذَكَرًا
يهربُ منّي قبلَ الربطِ بينَ الاستهلالِ والموت
مختبئًا في جيبِ قصيدةِ الأنثى العمياء
أسمعُهُ يُغريها
تسألُهُ عن لونِه
تتحسّسُهُ، تنفرُ منه
يصغرُ فيهِ الحلم
يعجزُ في أركانِ الضوء
رافَقَها عن طَمَع.
أنا امرأةٌ..
لا استثناءَ في شخصي
آلافٌ مثلي
تلدُهُنّ الأرحامُ
بخيامٍ تغزوها ألوانٌ من طينٍ ورماد
ودخانٍ وضباب
ونارٍ وجليد.
أنا لستُ استثنائية..
نساءٌ في عقلي، مُعتَقلاتٌ
تطالبُ بالإنسانية
تطالبُ بالمساواة
وبالتطهيرِ من إثمِ الظنّ
وإثمِ الصدقِ
وإثمِ التحريمِ
ونبذِ العبودية.
الآن..
أشهدُ أنّي امرأةٌ استثنائية
لن أتطهّرَ بالماء
لن أتطهّرَ بالبَرَدِ ولا بالنار
أتطهّرُ
أتشظّى
كموجٍ تحطّمَ فوقَ صخرٍ
يُخلَقُ مِنْ جديد.