رؤية في ديوان ” كهفٌ بحجم مجرّة”

رؤية في ديوان " كهفٌ بحجم مجرّة" للأديب المبدع منير عتيبة

بقلم الأديبة و الشاعرة الأستاذة/ هناء سليمان

12/10/2024

 

 و نحن نطوّف في ديوان ” كهفٌ بحجمِ مجرّة ” ونتنقل بين قصائده، نشعركأن شاعرنا حين هبطت عليه تلك الإلهامات كان مستلقيًا على العشب الأخضر ليلا، تحوطه روائح النعناع والياسمين، متأملا براح السماء فوقه، ليس بالتليسكوب وإنما بعينيه المجردتين وبإحساسه المرهف وبعيون خياله، تلك العيون التي تبحث له عن عوالمَ أُخر وأكوانٍ أبعد وحيواتٍ أجمل.

يدعونا لنهرب معه وهو الباحث عن السعادة بقلب طفلٍ يذكرنا بالأمير الصغير.

 وطفولة القلب نعمة كبيرة من الله لا حرمنا الله منها.

فيقول مثلا في قصيدة ” قفزات بين عوالم” ص5

مُدي يديكِ

المسي المجراتِ البعيدةَ بأطراف أصابعك

فالسنواتُ الضوئيةُ وهمٌ

وهذا السفرُ قصير

تزوّدي للرحيلِ إلى الصعب

الرحلةُ إلى أناكِ الكائنةِ في عالمٍ آخرَ

والتي تستعدُّ هي الأخرى

للبحثِ عنكِ في كونٍ بعيد

فنجد أنفسنا محلّقين ( وقد تكررت كلمة التحليق كثيرا في القصائد) في كونين : الكون الأكبر بكل ما فيه والكون الأصغر وهو الإنسان، لنذكر دائما البيت الشعري للإمام علي كرم الله وجهه: (وتحسب أنك جُرم صغير.. وفيك انطوى العالم الأكبر).

وفي القصيدة ذاتها نجد عنوان الديوان الذي لم تعنون باسمه أية قصيدة في الديوان؛ حيث يقول أستاذنا منير عتيبة

أضم أصابع يدي

   فتغدو كهفًا بحجمِ مجرّة

ففي هذا الكهف عالم كامل حيث خط العمر، وخط القلب، وخط الرأس، وخط الحظ، وغيرها،وحيث مرتكزات الكواكب، حيث الحياة كلها في هذا الكهف أو الكف.

ولأن الفرحة على الأرض كما نعلم غيرُ مكتملة، دائما ينقصها شيء، فإن شاعرنا يدعونا لاستشعار السعادة في أبسط الأشياء حولنا، وفي أسرع اللحظات مرورًا. ونلاحظ أن السعادة في هذا الديوان مرتبطة جدا بحاستي الذوق والشم :

ففي قصيدة “حَبّةُ بُن”

يقول: شربتكِ يا قهوة، يملأ شذاها روحي

ونلتقي بالكثير من التركيبات اللغوية مثل:

  دموع حلوة المذاق، نبرات الكروان السحري، خيال حبيبي هو السكر، الشاي بالقرنفل، قطعة الشيكولاتة التي يلوكها ببطء واستمتاع، ابتسامات كسحب من حليب مغشوش.

قبلات بنية وبيضاء تتألق في سماء الكوب ..في قصيدة نسكافيه.

حتى العلكة المعروف عنها أن حلاوتها مؤقتة ويُضرب بها المثل في ذلك، نجده في قصيدته  “عِلكة” يجعل حلاوتها لا نهائية لأنه ربطها بقبلة الحبيب التي وصفها بأنها نعناعية.

حتى يوم الثلاثاء ( المعروف عنه الثقل والملل و..و..) أفرد له قصيدة خاصة وأسماها  (الثلاثاء الحلو) وهي قصيدة تفيض رقةً وحبًا وغزلا .

ثم يأخذنا معه بنعومة لمربط الفرس؛ لربطه كل معاني السعادة بالحبيبة؛ فوجودها أو ابتسامتها أو طيفها أو مجرد استدعائها بالخيال هو سر السعادة، فهو يقلب الأحوال ويشفي من الأمراض بل ويؤجل الموت.

حين تخلت قصيدة النثر عن أقدس أقداس القصيدة التقليدية وهو( الالتزام بالوزن والقافية ) حطمت الهندسة الموسيقية.

حتى إن حسين مردان وصف الوزن بحبل قصير لا يصل إلى القعر، لذلك لابد من الاستغناء عنه والسقوط إلى الأعماق؛ لنفرك التراب اللزج في القاع فتشع المعادن الكامنة فيه.

وبما أنه لا شعر بغير موسيقى، فعلى الشاعر هنا أن يجد بديلا موسيقيا؛ فقصيدة النثر وُلدت على الورقة أي أن أصلها كتابي وليست شفوية أو مسموعة.

وهذا البديل يكون إما عن طريق الموسيقى الداخلية، أو عن طريق الموسيقى الخفية، أو كليهما. وتتشكل الموسيقى الداخلية بعلاقة الحروف وتناغمها، وعلاقة الكلمات وتجاورها، وتحدث أثرا نفسيًا لدى المتلقي.

أمثلة : خاتمة قصيدة ” عيناي” :

 هما عيناي

  بين جَفنيكِ

   فوق شفتيكِ

  تحت جلدِكِ

      في خلاياكِ

فأين من عشقِهِما تهرُبين؟

وفي قصيدة” تجارة”:

كل من في السوقِ باعة

   ينادون على نفسِ البضاعة

أما الموسيقى الخفية فتنساب للمتلقي عبر حسن انتقاء اللفظ، أو عن طريق الصورة الشعرية الحاشدة بالتفاصيل ..ولابد أن نتوقف هنا، فلدى شاعرنا الأستاذ منير عتيبة صور مبتكرة ممتدة ففي قصيدة ” عن الوحشة والافتقاد” يقول :

قطيع من الذئاب الجائعة العطشى

تحطم عقارب الساعة

تنهش ببطء الثواني الميتة من عمري

تلك هي الوحشة.

*****

تراب يطفئ نارَ الفرح

دخان سيئ الرائحة

ورد قميء؛

ذلك هو الافتقاد

 

وفي قصيدة “شجرة الذكريات” يقول :

الذكريات ..

شجرة ثمارها لاذعةٌ للروح

 شديدةُ المرارةِ، بالرغم من سُكرِّها!

 

وفي الختام أقول إنه ديوان مبهج محرِّض على البحث عن السعادة واستحضارها .. سمعنا فيه أصواتا نحبها ..جريدة ماجدة الرومي وسكرها، منديل فيروز في مرسال المراسيل بحوافه المطرزة، ( منديل) ليونارد كوهين في

 ( سندباد )  سكر كاظم الساهر ( لبن وشاي) فايا يونان والتي جاء  I am your man

الشاعر باسمها صريحًا.

                                                              هناء سليمان

 

 

 

 
 

      

 

مقالات أخرى

رحلة معرفة وعلم وعمل

بقلم الأستاذة الدكتورة/ رضوى إبراهيم

تفاهاتي

بقلم الأديبة المصرية/ هناء سليمان

علاقة مميزة

بقلم الأديبة المصرية/ نهى عصام

1 فكرة عن “رؤية في ديوان ” كهفٌ بحجم مجرّة””

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *