من المدهش حقًا أن ترى المشهد البهيج للعروسين وهما يتراقصان بحماسة بالغة ويغنيان بسعادة غامرة أثناء احتفالية العرس الرائع، ما ينم بالضرورة عن شدة الحب والتوق للعيش مع المحبوب تحت سقف واحد، كما نقول بالعامية وكأن الحب ولع في الذرة…، وبمرور أشهر قلائل ينقلب الحال إلى النقيض الصارخ المثير للدهشة وتحدث كل غرائب الطبيعة ، فسمعنا مثلًا أنه كان يناديها ب « أعظم انتصاراتي وأجمل اختياراتي» ثم في إحدى المشاجرات بينهما طعنته بسكين في صدره فسقط قتيلا !!!
حتى تفكيرهما في الانفصال ، في حالة استحالة العشرة، لا يكون بإحسان ولا معروف ولا النهايات أخلاق كما يفترض بين خلق الله الأسوياء الذين جبلوا على الفطرة الإنسانية السليمة، بل يتحول الأمر إلى حرب ضروس يسعى فيها كل طرف إلى تشويه سمعة الآخر بكل ما أوتي من قدرات شريرة… ويغفلون قول الله تعالى: “ولا تنسوا الفضل بينكم.”
و لكن لماذا تواجه هذه العلاقة الإنسانية الجميلة الراقية، سواء أكان بين الأزواج ممن طال بهم أمد العشرة أم الشباب حديثي العهد بالزواج، ما يمكن أن نطلق عليه تاريخ انتهاء الصلاحية، على نحو صار من بين التحديات الخطيرة غير المسبوقة، لا سيما في مجتمعاتنا العربية المحافظة. لاحظت أن علاقة الزواج صارت مثقلة بالتوقعات العالية المتطورة لدى الشركاء، مع عدم رغبة أحد الطرفين في تقديم أدنى تنازل ينم عن المودة وجبر الخواطر تجاه الآخر. فالشريك لا يأخذ بمبدأ الصحبة الطيبة والسكينة والمودة وكفى، بل لا يراه شاملًا لكل معاني السعادة في الحياة، بل صارت هناك احتياجات أكبر لدى أحد الطرفين أو كليهما تتمثل في السعي إلى تأكيد الذات وإظهار التميز ومواكبة التطلعات والطموحات والاستئثار بالرأي ولو على حساب الطرف الآخر، فضلًا عن فشل أحد الطرفين أحيانًا في تحمل المسؤولية ، و نفاد الصبر و عدم قبول الآخر بعد انتفاء المسافات و ذهاب بريق البدايات الخادع ، و حين يصاب المرء بعدم الرضا وبخيبة الأمل الكبرى ، ينفد الرصيد و يكون الرحيل هو السبيل، وإن اضطر للبقاء لمصلحة أو اعتبارات ما، فلا سبيل أمامه سوى التأقلم مع الوضع وأن يسأل الله عز و جل الصبر و أن يجنبه مخاطر الإصابة بالاكتئاب والإرهاق العاطفي والقلق، فضلًا عن خطر الإصابة بالنوبات القلبية.
هناك نقطة أخرى مهمة لابد أن نضعها في الحسبان وهي أن نمو الأفراد وتطورهم أحيانًا يؤدي إلى تغيير رغباتهم واحتياجاتهم، فما بدا مثاليًا تمامًا في المراحل الأولى للعلاقة قد يصير غير مناسب على الإطلاق بمرور الوقت. ولا ينبغي أن نغفل كذلك دور المؤثرات الخارجية في عصرنا الحالي بما في ذلك وسائل التواصل الاجتماعي والضغوط الاقتصادية ومسؤوليات العمل وتأثيراتها السلبية في العلاقات الإنسانية، لا سيما الزواج، مما يؤدي إلى تزايد الصراعات ومشاعر البغض وصولًا إلى مرحلة نفاد الوقود وانتهاء الصلاحية لتصبح هذه العلاقة الإنسانية الجميلة غير صالحة للاستهلاك الآدمي.