تاريخ صلاحية العلاقات الإنسانية

تاريخ صلاحية العلاقات الإنسانية

بقلم: غادة جاد – كاتبة ومترجمة

15/11/2024

WhatsApp Image 2024-11-14 at 14.46.32_59798913

كل علاقة رحلة، ليست بالضرورة أن تكون طويلة الأمد، ومسار الرحلة أهم بكثير من وجهتها. ترى هل هناك تاريخ انتهاء صلاحية لبعض العلاقات الإنسانية؟ سؤال شغل تفكيري بعد أن أثاره أحد الأصدقاء.

 

في مشهد العلاقات الإنسانية المتطورة والمعقدة ، لاسيما إذا تحدثنا عن علاقة الزواج كونها الأكثر تحولًا وإثارة للجدل، يتم التشكيك في مفهوم دوام السعادة، رغم ما يميز تلك العلاقة المقدسة السامية من نظرة يفترض فيها الاستمرار مدى الحياة . أثر في حقًا رثاء إحدى الصديقات لحبيب عمرها بعد عشرة دامت لنصف قرن من الزمان و راحت تحكي لي بدموع عينيها عن حبهما و سعادتهما و كيف أنها لا تتصور الحياة بدونه ، و عرفت كذلك قصة البطلة المحبة التي ضحت بزهرة شبابها و ما زالت تضحى منذ أمد بعيد لدعم زوجها الحبيب  في رحلة مرضه الشاقة لأنها عرفت يقينًا أنه نعم الرفيق و السند في الرحلة،  تلك النماذج المضيئة المشرقة المفترض أن تكون المألوفة السائدة في هذه الحياة ، ولكن أقدار البشر ترسم أحيانًا رؤية مختلفة تمامًا.

 من المدهش حقًا أن ترى المشهد البهيج للعروسين وهما يتراقصان بحماسة بالغة ويغنيان بسعادة غامرة أثناء احتفالية العرس الرائع، ما ينم بالضرورة عن شدة الحب والتوق للعيش مع المحبوب تحت سقف واحد، كما نقول بالعامية وكأن الحب ولع في الذرة…، وبمرور أشهر قلائل ينقلب الحال إلى النقيض الصارخ المثير للدهشة وتحدث كل غرائب الطبيعة ، فسمعنا مثلًا أنه كان يناديها ب « أعظم انتصاراتي وأجمل اختياراتي» ثم في إحدى المشاجرات بينهما طعنته بسكين في صدره فسقط قتيلا !!! 
حتى تفكيرهما في الانفصال ، في حالة استحالة العشرة، لا يكون بإحسان ولا معروف ولا النهايات أخلاق كما يفترض بين خلق الله الأسوياء الذين جبلوا على الفطرة الإنسانية السليمة، بل يتحول الأمر إلى حرب ضروس يسعى فيها كل طرف إلى تشويه سمعة الآخر بكل ما أوتي من قدرات شريرة… ويغفلون قول الله تعالى: “ولا تنسوا الفضل بينكم.”
 
و لكن لماذا تواجه هذه العلاقة الإنسانية الجميلة الراقية، سواء أكان بين الأزواج ممن طال بهم أمد العشرة أم الشباب حديثي العهد بالزواج، ما يمكن أن نطلق عليه تاريخ انتهاء الصلاحية، على نحو صار من بين التحديات الخطيرة غير المسبوقة، لا سيما في مجتمعاتنا العربية المحافظة.  لاحظت أن علاقة الزواج صارت مثقلة بالتوقعات العالية المتطورة لدى الشركاء، مع عدم رغبة أحد الطرفين في تقديم أدنى تنازل ينم عن المودة وجبر الخواطر تجاه الآخر. فالشريك لا يأخذ بمبدأ الصحبة الطيبة والسكينة والمودة وكفى، بل لا يراه شاملًا لكل معاني السعادة في الحياة، بل صارت هناك احتياجات أكبر لدى أحد الطرفين أو كليهما تتمثل في السعي إلى تأكيد الذات وإظهار التميز ومواكبة التطلعات والطموحات والاستئثار بالرأي ولو على حساب الطرف الآخر، فضلًا عن فشل أحد الطرفين أحيانًا في تحمل المسؤولية ، و نفاد الصبر و عدم قبول الآخر بعد انتفاء المسافات و ذهاب بريق البدايات الخادع ، و حين يصاب المرء بعدم الرضا وبخيبة الأمل الكبرى ، ينفد الرصيد و يكون الرحيل هو السبيل، وإن اضطر للبقاء لمصلحة أو اعتبارات ما، فلا سبيل أمامه سوى التأقلم مع الوضع وأن يسأل الله عز و جل الصبر و أن يجنبه مخاطر الإصابة بالاكتئاب والإرهاق العاطفي والقلق، فضلًا عن خطر الإصابة بالنوبات القلبية.
 
هناك نقطة أخرى مهمة لابد أن نضعها في الحسبان وهي أن نمو الأفراد وتطورهم أحيانًا يؤدي إلى تغيير رغباتهم واحتياجاتهم، فما بدا مثاليًا تمامًا في المراحل الأولى للعلاقة قد يصير غير مناسب على الإطلاق بمرور الوقت. ولا ينبغي أن نغفل كذلك دور المؤثرات الخارجية في عصرنا الحالي بما في ذلك وسائل التواصل الاجتماعي والضغوط الاقتصادية ومسؤوليات العمل وتأثيراتها السلبية في العلاقات الإنسانية، لا سيما الزواج، مما يؤدي إلى تزايد الصراعات ومشاعر البغض وصولًا إلى مرحلة نفاد الوقود وانتهاء الصلاحية لتصبح هذه العلاقة الإنسانية الجميلة غير صالحة للاستهلاك الآدمي.

مقالات أخرى

رحلة معرفة وعلم وعمل

بقلم الأستاذة الدكتورة/ رضوى إبراهيم

تفاهاتي

بقلم الأديبة المصرية/ هناء سليمان

علاقة مميزة

بقلم الأديبة المصرية/ نهى عصام

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *