*آيلون ماسك: بين الجنون والعبقرية

*آيلون ماسك: بين الجنون والعبقرية

بقلم الأستاذة الدكتورة/ رضوى إبراهيم- استشاري نفسي 

تساءل باستغراب ،وبراءة ، ولكنه سؤال لا يخلو من ذكاء حاد ،” هل أنا مجنون؟؟” 

 

وجاءت الإجابة أيضا من صاحب السؤال نفسه أثناء لقائه الأول مع أحد الصحفيين و هو الصحفى  آشلى فينس Ashlee Vance لكتابة سيرته الشخصية للطبعة الأولى عام ٢٠١٥.

وكانت إجابة “ماسك” اقوى برهان عملى على أننا أمام “شخص” يمتلك إمكانيات عقلية فائقة تتعدى حدود المعرفةالعادية .

وباللغة العلمية والنفسية والمتعارف عليها بيننا كمتخصصين فى فهم السلوك الإنساني،  والخبرة الطويلة بالمرض العقلي والنفسى نعلم جيدًا أن من يسأل هذا السؤال هو فى حقيقة الأمر إنسان عاقل ويعلم بوضوح مما لا شك فيه ما هو الفرق بينه وبين المريض العقلي أو المجنون .

 

من هو  إيلون ماسك ؟ وكيف أصبح ظاهرة تدعو إلى التفكير والتأمل فيما وصل إليه من نجاح غير مسبوق واهتمام ومكانة خاصة سواء فى أعماله حيث أصبح  أبرز رجال الأعمال الناجحين فى مجال التكنولوجيا في العالم ، وليس فقط بأمريكا، و يتمتع بمكانة عالمية مرموقة. 

والمعروف عنه منذ ظهوره إلى عالم رجال الأعمال (ما من عمل يعمل فيه إلا يتحول بين يوم وليلة إلى نجاح وقيمة كبيرة لا يستطيع أن يباريه فيها أي رجل أعمال مهما بلغ من نجاح أو تفوق . 

ومن اللافت للنظر حقًا أن إيلون ماسك  ليس فقط رجل أعمال ، بل الحديث عنه لا ينقطع فى أهم مجالات التكنولوجيا الحديثة لاسيما عالم الذكاء الاصطناعي و إخضاع التكنولوجيا المتطورة بشكل غير عادى وسريع التطور إلى الدرجة التى قال عنها ماسك نفسه أن يستشعر الخوف والقلق من ما قد تحدثه تلك التطورات التى قد تصبح مدمرة للبشرية و قد تؤدي  إلى الهلاك والتدمير النهائي بلا عودة فيه جراء أي أخطاء لا قدر الله قد تحدث مستقبلا .

و قد أعلن رئيس امريكا المنتخب ترامب تعيينه إيلون ماسك وزيرًا لوزارةحديثة فى حكومته  الجديدة وهى “وزارة الكفاءة الحكومية” و ذلك لإيجاد حلول سياسية مبتكرة للمشاكل التى تواجهها الحكومة الأمريكية منذ سنوات طويلة.

 

ولكن كيف وصل إيلون ماسك إلى هذه الدرجة العالمية من الشهرة والثروة الهائلة والتفوق التكنولوجي ؟

فهو يعتبر من أغنى رجال الأعمال على مستوى العالم ان لم يكن يحتل مكانة الصدراة بلا أدنى مبالغة .. كما انه من أوائل رجال الأعمال الذين قاموا بتصنيع السيارات الكهربائية تسله وأسهمها فى سوق الأعمال ليس لها مثيل ،  ويمتلك الكثير من الشركات المتخصصة فى ابتكارات الأجهزة التكنولوجية المتقدمة فى صناعة واستخدام الذكاء الاصطناعي فى شتى مجالات الحياه البشرية .

 

حرص إيلون ماسك على الإشراف على كل التفاصيل الدقيقة التي قدمها في سيرة حياته لاسيما ما يتعلق بتطور مراحلها المختلفة التي كتبها الصحفي آشلى فينس بصورة مدهشة تجعلنا نتعلم  الأساليب التربوية التي تجعل أبنائنا يزدهرون بقوة فى المستقبل.

 

كان آيلون الابن الأكبر، البكرى لوالديه ، آيرول ماسك ، الأب، من عائلة لها أصول انجليزية-كندية، والأم ميى كانت تتميز بالذكاء والتفوق الدراسى والعقلية العملية في إدارة الأعمال . التقيا كلا من آيرول و ميى بإحدى جامعات جنوب أفريقيا حيث كانا يدرسان هناك. أصر  آيرول على الزواج من ميي و أخيراً قبلت الزواج منه بعد أكثر من ٨ سنوات من تعارفهما.

 ولد  آيلون سنة ١٩٧١ ، من بعده ، أخوه الأصغر “كمبل”، ثم الأخت الوحيدة “توسكا”. 

ويصف آيلون ماسك مرحلة الطفولة بانها لم تكن جيدة أو هادئة، فقد عانى خلالها الكثير من الصعوبات والتحديات ؛ إذ كان يمر آيلون بحالة مرضية غريبة كانت تجعله يفقد الوعى لبعض الوقت ويدخل فى حالة من التحول المؤقت كأنه ينتقل إلى عالم عقلى غريب ، ممتلئ بصور وأشكال ورسوم مختلفة وملونة، وفى أثناء هذا التحول العقلي تستقر عيناه على هذه الصور ولا تتركه. ويحكى أنها كانت حالة نفسية غامضة يصفها بأنها  تشبه أحلام اليقظة الملونة والعجيبة، كان يرى خيالات غريبة من الرسوم والأشكال  ولا يعلم ماهيتها. ويحدثنا آيلون بأنه استطاع الاستفادة من هذه الصور الغريبة فيما بعد فى مراحل نموه التالية، والتي كانت تفرض وجودها فى فترات التحول النفسى هذه ، حيث جعلته يتصور أشكالًا عديدة و يغذي الكمبيوتر بها و تطور الأمر إلى أن أصبحت صورًا مبتكرة قام بتنفيذها فى تصميم سياراته الكهربائية الخاصة.
كانت أمه  قلقة بشدة على مايمر به ابنها في طفولته واستشارت الكثير من الأطباء المختصين كى يساعدوه و يشخصوا حالته ، ولماذا يتحول الى حالة من فقدان الوعي والتركيز. ولم تكن هناك اجابات واضحة لوصف حالته الصحية على الإطلاق.
وهنا نتوقف قليلا عند التفسير العلمى للحالة التى عانى منها آيلون ماسك فى مرحلة الطفولة من السنوات الخمس المبكرة فى حياته :  هذه الحالة هى حالة من حالات مرض “التوحد”  أو ما يسمى بفصام الطفولة ، وهى حالة مرضية تظهر على الطفل فى عمرالسنتين وتستمر معه فى مراحل حياته المختلفة..
يبدوا ولحسن الحظ، ونتيجة لوعى الأم وذكائها أنها قامت برعاية آيلون الابن وحمايته من الوقوع فى مخاطر مرض الفصام المتطور وساعدته على تحقيق ما أصبح عليه اليوم !! فقد كان آيلون حاد الذكاء ويتمتع بذاكرة  فوتوغرافية فائقة الدقة، كان يقرأ كثيرا ويصف نفسه بأنه  قارئ نهم ، فقد انتهى من قراءة كل الكتب فى المكتبة العامة فى مدينته التى كان يعيش فيها فى جنوب أفريقيا ، و أيضًا قرأ كتب مكتبته المدرسية ولم يكتفى بهذا وانتقل إلى قراءة الموسوعات العلمية الجادة فى عمر مبكر وأصبحت لديه معلومات علمية كثيرة كان يتحدى بها زملائه فى المدرسة الابتدائية ويصحح لهم معلوماتهم وكانوا يشعرون بالغيظ والغضب منه كثيرا مما أدى إلى بعدهم عنه ، فالطاما وُصف ب “الجرئ أو الوقح” أو “غريب الأطوار” ، و لطالما كانت أمه توصي أخوته بأن يكونوا بجانبه و يلعبوا  معه لكيلا يشعر بالوحدة و العزلة.
 
إذن فقد عانى آيلون ماسك من اضطراب عقلى نفسى منذ الطفولة، ولكنه لم يتوقف عندها وكانت رحلة حياته مثال رائع للاستفادة الكاملة من إمكانياته العقلي والتى خلقت منه ان يكون إنساناً خلاقا ومبدعا ومتميزا على المستوى الشخصي والمهني والعالمي.
 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *