
نظرة ثاقبة تتحدث عن نفسها
بقلم الكاتبة / دعاء مصطفى عبدالباقي

استطاع أبن خلدون ببصيرته الفطنة ودراسته لعلم الاجتماع اكتشاف أن النتائج المستخلصة والصحيحة لوقائع التاريخ الذي تعلمناه ليست المسرودة بالكتب والمجلدات مائة بالمائة و ذلك لأن هناك أخطاء فادحة وقع فيها كبار المؤرخين أثناء تسجيلهم لوقائع الأحداث المسجلة بالأوراق والبرديات كالحملات والثورات والحروب مترتبا عليها بالطبع نتائج خاطئة أستمرت الأجيال في تلقيها وهو ما أدركه ابن خلدون أي اكتشافه ما بين السطور من إدراكه لحقيقة ما حدث بالحروب بالفعل وكأنه عاصرها وعاش فيها أي بمنطق الإدراك الحسي وليس اللغوي أي أخطاء الكتابة التي نقرأها بأعيننا بل للمكسب والخسارة والفوز والهزيمة مثلا بين طرف وآخر أثناء المعركة وكأنه يقوم برواية قصة حدثت له ببيته أو بيت عائلته ليتعلم منها من يحكي لهم فيعجبون بها ويحكونها لأجيالهم القادمة ليتعلموا العبرة منها ويسيرون علي نهجها.
كما تميز ” ابن خلدون ” عن غيره من علماء الاجتماع بتقصي الحقائق التي دونت في كتب ومجلدات التاريخ وكأنه يتجسس علي التاريخ الباطن من المسطور ظاهرا لعامة الناس من العلماء والمفكرين والقراء.
لذا فقد استطاع من خلال رؤيته اليقينية أن ينتقي الحابل من النابل بكشف الأحداث الصادقة من الكاذبة أو المموه بلون الحقيقة .
فلم تكن خبرته الاستقرائية إلا منحة من الخالق عز وجل استطاع دعمها بالدراسات والإطلاع المستفيض بدراسته وتنقله بين البلدان المختلفة بتصنيف تلك العلوم المختلفة بين تاريخ واجتماع وعمران بشري ليتلقط من كل بستان عدة زهور تمثلت في كتابة اسمه بماء من ذهب علي مر العصور ليصبح احد أفضل علماء التاريخ علي مر العصور من كتاب الغرب والعرب في ذات الوقت .
وقد برع ابن خلدون في كيفية تكون الملكات في شتي المجالات من الأخلاق إلي العلوم والصنائع والعبادات .
لا سيما أن ” الملكة الشعرية تنشأ بحفظ الشعر ؛ وملكة الكتابة بحفظ الإسجاع والترسيل ؛ والعلمية بمخالطة العلوم والإدراكات والابحاث والأنظار ؛ والفقهية بمخالطة الفقه وتنظير المسائل وتفريغها وتخريج الفروع علي الأصول ؛ والتصوفية الربانية بالعبادات والأذكار وتعطيل الحواس الظاهرة بالخلوة والانفراد عن الخلق ما استطاع