
اختلافك عنهم حقيقة يجب تقبلها
بقلم الأستاذة الدكتورة/ رضوى إبراهيم- استشاري نفسي

لكل منا شخصيته المميزة ونظرته الخاصة للحياة. لكل منا تفضيلاته الخاصة وتفسيراته للأمور بناءً على منظوره الشخصي. بما أننا تربينا وتعلمنا أن نفكر بطرق معينة، فإن لكل منا أسلوبه الخاص في التعامل مع مواقف حياته المختلفة. وما يراه البعض مهمًا قد لا يكترث به الآخرون. لكل شخص القدرة على انتقاد وإيجاد الأخطاء في أسلوب وتصرفات الآخرين. ويمكن لكل شخص أن يثبت أن نظرته واقعية عن طريق التركيز على بعض الأمثلة التي تؤيد وتدعم ما يقول أو يعتقد. أي أن كل شخص يرى أن نظرته للحياة صحيحة ومنطقية ولها ما يبررها.
الحقيقة المتعارف عليها هي أن هذا الأمر لا يقتصر على شخص دون الآخر. شركاء حياتنا، وأولادنا، وآباؤنا، وأصدقاؤنا، وجيراننا، وغيرهم من الناس على اقتناع بأن نظرتهم للواقع نظرة دقيقة كل الدقة. ومن السليم تمامًا أن تتوقع من الآخرين ألا يفهموا لماذا لا ترى الأمور كما يرونها، وأنهم يظنون أن كل شيء سيكون على ما يرام إن استطعت أن تحذو حذوهم.
فلنتوقف هنا قليلًا ونتساءل: لماذا يستمر الإحباط والضيق لدينا بسبب أننا نختلف كثيرًا؟ ولماذا نغضب بسهولة عندما يعبر شخص نعرفه أو نحبه عن رأي مغاير، أو وجهة نظر مختلفة، أو يفسر شيئًا تفسيرًا مختلفًا، أو عندما يرى أننا على خطأ؟
في رأيي أن إجابة هذا السؤال بسيطة للغاية:
إننا ننسى أن كل منا يعيش في واقع منفصل من الناحية النفسية، وأن العوامل المختلفة التي تؤثر في تفسيرنا للحياة وللأحداث من حولنا تختلف عن العوامل التي تؤثر في الآخرين؛ فطفولتي وخبرات حياتي كانت وستظل مختلفة عن طفولتك وخبرات حياتك، ولهذا تختلف نظرتي للحياة عن نظرتك. ما يثير غضبي قد لا يؤثر فيك نهائيًا، والعكس صحيح بالنسبة لك.
لكي تصبح أكثر طمأنينة، وأقل غضبًا أو حدة، عليك أن تذكر نفسك بأن الاختلاف سنة الحياة. بدلًا من أن يدهشك هذا، عليك أن تتعلم توقعه وتقبله. بدلًا من أن تغضب عندما يختلف معك من تحب، حاول أن تقول لنفسك: “بالتأكيد له نظرته الخاصة لهذا الشيء”. بدلًا من أن تكون متحفزًا للصراع عندما يختلف تفسيرك لحدث ما عن تفسير شخص آخر، حاول أن تتذكر بفرح وامتنان أن هناك لحظات اتفقتما فيها من قبل، حتى وإن كانت لحظات عابرة أو نادرة.
**إن تقبل الاختلاف لا يعني أن وجهة نظرك أقل أهمية أو أقل صحة، بل يعني أنك لن تشعر بالإحباط بسبب أن الآخرين لا يتفقون معك دائمًا، أو لا يرون الأمر كما تراه. قد ترغب – في كثير من الأحيان – في التمسك بآرائك وقيمك، وهذا من حقك، لكن لا تنسى – وأنت تفعل ذلك – أن تظهر احترامًا وتفهمًا لآراء الآخرين أيضًا. هذا يقضي على قدر كبير من المشاكل التي قد تحدث ويضع حدًا للخلافات والمناقشات التي يمكن أن نتوقعها في مثل تلك الظروف، وفي معظم الحالات يشعر الشخص الذي تختلف معه بمدى احترامك له، ومن المحتمل جدًا أن يكون أكثر تقبلًا لك أيضًا.
بالإضافة إلى ذلك، فإنك عندما تعتاد التعامل بسلاسة مع الآخرين ستجد نفسك أكثر اهتمامًا بالآخرين وبآرائهم، مما يجعل وجودك معهم مصدرًا للثقة والراحة. سوف تتعلم أن تأخذ من الآخرين أفضل ما عندهم، وتسمح لهم بأن يأخذوا أفضل ما عندك، وبهذا يكسب الجميع.
لقد ساعد هذا الاتجاه المتقبل لآراء الآخر المختلفة الكثير من الزيجات والصداقات والعلاقات العائلية، وحتى في علاقات العمل كما رأيتها بنفسي من خلال ممارستي في العلاج النفسي. وهذا شيء لا صعوبة فيه، كما أنه يحمل قدرًا كبيرًا من المتعة.
فلنبدأ من اليوم في تقبل الاختلاف، فهو جهد يستحق ما يُبذل فيه.