
الاغتراب فى روايات نهى عاصم
بقلم الأستاذ/ مصطفى حسين

يا غربة رسينا ….طال الطريق بينا ….دى السكة نساية ….تايهة فى خطاوينا : أغنية إيمان البحر درويش وهي تحكي عن الاغتراب والسؤال الذي يطرح نفسه هل يقف الاغتراب عند حد الغربة .
إن نهى عاصم : أمل وأحلام وهالة ونادية يمثلن أجزاءً من روح الكاتبة : فأمل (بطلة رواية أمل حياتي) ، و أحلام بطلة رواية (هذا ما جناه الادب على أحلام ) ،وهالة أو روح هى بطلة رواية(يناديها روح) ،ونادية هى بطلة (رواية رسائل نادية )، وتتمحور الروايات حول بؤرة واحدة هى المرأة وما تعانيه من آلام ، وتصور الكاتبة وظائف المرأة المختلفة وعلاقاتها المتشابكة بوالديها و أبنائها و إخوانها وأصدقائها وكذا علاقتها بزوجها أو حبيبها .
ولنبدأ بأمل التي تعاني الاغتراب منذ الصغر حيث إن علاقتها بأبيها لم تكن علي ما يرام ، فهو يجافي أمها ويرفض عملها ، ويحاول اختيار كلية أمل ،وكذلك تتعرض لمضايقات من أحد الأطفال تمثلت في التحرش ، مما جعلها تتشبه بالذكور ، وتتطور موهبتها في الرسم رغبة في الهروب من الواقع الأليم ، ومما ضاعف شعورها بالألم مقتل أخيها الذي هاجر إلى أمريكا ووفاة أمها بعده مباشرة حسرة عليه ،تتزوج أمل من مراد وتنجب فتاتين توأمين ثم تتحرك الأحداث وتصبح حاملًا ، وفي خضم ذلك تسقط من علي السلم وتصطدم بأرضه فتدخل في غيبوبة ، وهنا تتصاعد الأحداث فتخرج روحها من جسدها وتحس بالأحداث من حولها وإن لم تستطع التواصل مع الآخرين ، وتعرف أن نغم جارة زوجها سابقا وحبيبته التي تزوجت من ابن عمها ورحلت معه إلى الكويت قد طلقت وعادت إلى مصر وأرادت ان تصل حبال الود مع مراد زوج أمل مرة أخرى ، هو أيضا أستبقي حنينا لنغم فهي في حياته أم أمل حياته ، ويتجلى هذا في خواطره التي أبدعت الكاتبة نسجها وتأكيدا علي ذلك جعلها تعمل في الحضانة التي أسستها مع زوجه لرعاية الأيتام من ذوي الاحتياجات الخاصة ، تفيق أمل ولكنها تفقد ذاكرتها وتحزن صديقاتها لذلك كثيرا ، فكلهن عانوا اغتراب ما فمثلا علا تعرضت للرفض من المجتمع حيث طُلقت وخافت بعض النساء من حولها أن تخطف أزواجهن وساعدتها أمل في تخطي تلك المحنة . أما فيكتوريا الإنجليزية أم علا فقد عانت الاغتراب في مصر بعد وفاه زوجها وغادرت إلى إنجلترا، فرفضها أهلها وعادت إلى مصر لم تستطع التواصل لغويا مع جارتها المصريات وتدخلت أمل فعلمتها العامية المصرية ، و أميرة ترحل مع أخيها ووالدها خارج مصر حيث سجنت والدتها سوسن في احدى قضايا الرأي فجمعت أمل شملهم ، ولولا أمل فما استطاعت احداهن تخطى عقبة الشعور بالاغتراب حيث أنطبع تأثر أمل في زوجها الذي ساعد الخادمه أم محمود في التغلب علي زوجها المتسبب في شعورها في الاغتراب وتركها لبيتها إلى مكان أخر ، لكن أمل لم تجد من يساعدها في تخطي اغترابها حتى أختها التوأم ،فعرفت أن مراد علي علاقة بنغم حاولت كشفها حيث أحست بتغير في طبيعتها وبحثت عن ذاتها وكشفت عن السر للحبيبين ، وفي النهاية تترك الكاتبة الحكم للقارئ فلا هي زوجت نغم من مراد الذي أحبها حبا مرضيا إذ لم تقدم له ما يشفع لها عنده ومع ذلك أراد أن يتزوجها بعد طلاقها وعودتها إلى مصر ولا هي طلقت أمل منه خاصة بعد ما أضافته إلى روحه بزواجهما ونفسه وجسده وبالتالي أخرجت الكاتبة نفسها من خانة أليك وأدخلت القراء إليها.
وأحلام امرأة يضغط عليها أبطال الروايات التي تقرؤها فيتمثلن فيها أجساد من لحم ودم ويظهر أن هذا لألم نفسي سببته الوحدة التي تعاني منها إثر تخلي إخوتها التوائم عنها وسفر كل زوجين منهم للعمل في دولة ما بينما تركوها وحيدة في مصر بعد أن ربتهم صغارا في السعودية حيث مات أبوها وأمها ،وتحاول هي إيجاد بدائل ، فتراسل أصدقاء لها من الوسط الثقافي في بلدان مختلفة عبر الإنترنت ، وتتسبب إحدى الشخصيات اللاتي تتجسد فيها في تعرفها علي الدكتور صلاح بقسم شرطة باب شرق فتنشأ علاقة بينهما ويتمكن الطبيب النفسي من معالجتها فيجني الأدب عليها زواجا حمل إليها الاستقرار النفسي إلا أنها لم تشعر بالوصول إلي السعادة المرجوة .
ثم هالة التي يناديها ابن عمها الطبيب محمد سامي (روح) وقد عاد إلى مصر ليساهم في علاجها حيث مرضت وهي تعاني الاغتراب إذ تربي أبناءها الأربعة منفردة بعد طلاقها ويعينها علي ذلك أبوها ، يعود محمد سامي ابن عمها ويتزوجها وتنشأ علاقة بين ابنه و إحدى بناتها فيسافرا إلى إيطاليا و بالمناسبة هما رسامان كما تنجرف إحدى بناتها إلى التطرف الديني حيث تدور الرواية في خضم ثورة يناير وما يليها من أحداث ،وعلى الرغم من زواجهما وتخفيفه من آلامها إلا أنها لم تفلح في تربية أبناءها .
وأخيرا نادية وهي تعاني من الاغتراب بالمعنيين الحقيقي والمجازي فتضطر إلى أن تسافر إلى السعودية لتعمل خائطة لإحدى الأميرات كي تنفق علي ابنائها الثلاثة وزوجها الحشاش لكن الاحداث تندفع إلى الأمام فيتحرش بها هاشم المصري مدير القصر ويحاول محمود السائق المصري مساعدتها والدفاع عنها ويؤدي ذلك إلى نشأت علاقة حب بينهما حيث طلقها زوجها بعدما أقنعه هاشم بذلك كي يتزوجها وتسبب هذا في حرق مشغلها الذي أنشأته في مصر بالشراكة مع زوجها محمود وأنجبت منه طفلة إضافة إلى طفلين من زوجها السابق فقد مات الطفل الثالث الذي تعلقت به كثيرا لإعاقته الذهنية ،واستعاضت نادية عن غربتها بتبادل الرسائل مع صديقاتها الذين تعلقوا بها كثيرا ، وتمضي الأحداث حتى تموت نادية لكن الكاتبة تستمر في السرد كي يرى القارئ تأثيرات نادية في غربتها الثانية علي زوجها وأبنائها وأخواتها وصديقاتها .
تتشارك الأعمال الأربعة في بصمة واحدة هي أسلوب الكاتبة المتميز واستعمالها للغة الفصحى البسيطة واختيارها الإسكندرية مكانا لأحداث أربعة الروايات مع استعمال السعودية التي عاشت فيها فترة من الزمن والإنترنت الذي تتقنه ،فأربعة الأبطال سيدات مثقفات يمتلكن رؤية واسعة وأرواح شفافة ودفئ أسري ومحاولة للتغلب علي آلام النفسية والمادية والعمل على تخطي تلك الصعوبات حيث ساهم الزواج في ذلك وكذا القراءة .
وأخيرا، تبرز الكاتبة معاناة المرأة على اختلاف الطبقة التي تنتمي إليها تعليميا واجتماعيا وماديا ، ويمكن القول إن الكاتبة تعمد إلى تغليب اليوتبيا النسوية في روايتها ،فدائمًا ثمة امرأة مسكينة ومغلوبة على أمرها بينما ينقسم الرجال إلى مثالي أو شرير إلا مراد الذي حمل الجانبين وبالتالي فأرى أن شخصية مراد هي الشخصية المدورة الوحيدة في أربعة الروايات أما بقية الشخصيات فشخصيات مسطحة ؛ ولذلك فرواية الكاتبة تقترب من الخيال أكثر من الواقع مع عرضها لمشكلات واقعية تتصل بالمرأة والرجل وتنفتح على المجتمع ، كما أن الأربع الروايات تقترب كثيرا من روايات المراهقين حيث تسلط الضوء على المشكلات الأنثوية المرتبطة بالجوانب المادية والمعنوية مما يحمي المقبلات على الزواج من الوقوع في الاغتراب الذي لا يمكن حصره بعد قراءة الروايات الأربع في معناه الضيق ، بل يجدر بنا أن نرى الاغتراب الداخلي في نفوس البطلات الأربعة ، والاغتراب المادي في السفر والموت .
وخلاصة القول ، تحمل روايات نهى عاصم جزءًا من روحها وطبيعتها البيضاء وميلها إلى المجتمع وغوصها في النفس البشرية ونشرها الثقافة الأدبية واعتزازها باللغة العربية وانتمائها إلى الإسكندرية وحبها إلى السعودية .
أحسنت الغوص في عالم نهى عاصم الروائي لتخرج لنا بالدرر والفرائد من بحور فكرها .