التداعي الذاتي والتمرد الوطني في قصيدة (قلبي على وطني) للشاعرة السورية ناهده شبيب

WhatsApp Image 2025 04 03 at 20.55.47 5c92a258

التداعي الذاتي والتمرد الوطني في قصيدة (قلبي على وطني) للشاعرة السورية ناهده شبيب

بقلم الناقدة السورية دكتورة/ عبير خالد يحيي

WhatsApp Image 2025 02 11 at 15.38.34 85e2bca6



قلبي على وطني وعينيَ حائرةْ

                               والرّوح من وجعِ المدائنِ ثائرةْ

صلّتْ بأقبيةِ الظَّلامِ فروضها

                               وعلى شحيحِ الضوءِ تلهَجُ ذاكرةْ 

سجَنُوا بأقفال ِالحديد ثغورَها

                               تغفو وتصبح بالسلاسل فاغرةْ

ودمٌ على ملأٍ يُباح ظهيرةً

                              لفمٍ يناوره اللئام دوائرَة 

أنا أوّلُ العاصينَ خنتُ قوافلًا

                              للصّمت أوّل من نبذتُ شعائرَه

أنا أوّل الباكينَ آخرُ دمعةٍ

                            سقطتْ وجلُّ الحاصدين خسائرَه

وبأعْيني مطرٌ يرتّل شهقةً 

                           خمسونَ عاصفةً تشدّ أواصرَه

مذ جمّروا وجعَ البلادِ ورمّدوا

                           عين الحقائقِ يحصدونَ منابره 

للآن أسمعُ صوتَ هدْرِ دمائِهم 

                           علنًا ولم يطأِ الخرابُ ذواكرَه 

للآن يأخذني المساءُ لحُلْمهم 

                            وأنا أمزّق في العراءِ دفاتره

يانار كوني بردَهم وسلامَهم 

                           سئمَتْ مواجعَها الكبارَ الشّاعره

أومأتُ للبلد ِالجريحِ وقلت في

                              خلَدي البلادُ لألفِ عامٍ قادرة

القتل أرهقنا….. أرحْنا مرَّة ً

                              لنعود في رغَدٍ ونقطعُ دابره 

ما آن للوطن الجميل ليبتدي 

                              عهدًا تهادى العائدونَ تذاكرَه 

هاتي حماة من المشاعر ضمة

                              لتغيثني قبلا سماء القاهرة


البؤرة والخلفية الأخلاقية:

القصيدة تستند إلى قضية وطنية محورية تتمثل في معاناة الوطن تحت القهر والاستبداد، حيث يتداخل البعد الشخصي مع البعد الجماعي في خطاب شعري يستنهض الوجدان الوطني. تحمل البؤرة الفكرية بُعدًا احتجاجيًا ضد الظلم، وتحث على المقاومة عبر الإصرار على التمسك بالأمل. أما الخلفية الأخلاقية، فتتمثل في نزعة تحررية تدعو إلى إنهاء القتل والمعاناة، وإعادة الوطن إلى مجده وكرامته.


المستوى البصري:

تتميز القصيدة بصور شعرية حسية قوية تعكس الألم والصراع، مثل:

“صلّتْ بأقبيةِ الظَّلامِ فروضها 

                       وعلى شحيحِ الضوءِ تلهَجُ ذاكرةْ”

“سجَنُوا بأقفال ِالحديد ثغورَها 

                       تغفو وتصبح بالسلاسل فاغرةْ”

هذه الصور تستحضر مشاهد كابوسية للوطن المسجون، لكنها لا تخلو من إشارات إلى مقاومة القهر.


المستوى اللغوي:

اللغة جزلة ومتينة، وتستخدم ألفاظًا تعكس قوة المعنى مثل: “ثائرة، رمّدوا، هدْرِ دمائِهم، العراء، تهادى”. تراوحت الجمل بين الخبرية والإنشائية، مع هيمنة الطابع الخطابي والاستنهاضي.


المستوى الديناميكي:

القصيدة تحافظ على إيقاع قوي من خلال البحر الكامل التام وقافية الراء الممدودة، مما يضفي عليها بعدًا موسيقيًا يتناغم مع المشاعر الجياشة فيها. التصعيد الدرامي واضح، إذ تبدأ القصيدة بالحزن ثم تتحول إلى ثورة وتمرد، لتنتهي بدعوة للسلام والأمل.


المستوى النفسي:

تتأرجح المشاعر بين اليأس والتمرد، حيث تنقل الأبيات حالات نفسية متغيرة من الحزن العميق إلى التحدي ثم إلى الرجاء. هناك استبطان ذاتي واضح في المقطع:

“أنا أوّلُ العاصينَ خنتُ قوافلًا للصّمت أوّل من نبذتُ شعائرَه”

حيث يظهر صراع بين الإحساس بالعجز والرغبة في التغيير.


دراسة التجربة الإبداعية:

تظهر القصيدة نضجًا إبداعيًا واضحًا، حيث استطاعت الشاعرة تطويع العمود الشعري بأسلوب حداثي من حيث البناء الدلالي، فلم يكن مجرد رصف للأبيات، بل تماسك نصّي قائم على تداعيات نفسية وفكرية مترابطة.


الملاحظات الختامية:

تتسم القصيدة بتكثيف عاطفي عالٍ يوازن بين الألم والتمرد والأمل.

هناك بنية سردية ضمنية تعكس رحلة الألم الوطني والبحث عن خلاص.

التكرار لبعض المفردات مثل “أنا أول، للآن، النار، القتل” عزز من الإيقاع الداخلي ومنح القصيدة طابعًا تأمليًا وعاطفيًا أقوى.

استخدام الرموز الدينية مثل “يا نار كوني بردَهم وسلامَهم” يربط بين المعاناة والتجربة الإيمانية، مما يضفي بعدًا روحانيًا على النص.

قصيدة “قلبي على وطني” تنتمي إلى الشعر الوطني الاحتجاجي، وتبرز حساسية شعرية عالية في التعبير عن الألم الجماعي، بأسلوب يجمع بين العمق العاطفي والرمزية المكثفة.

تحياتي لإبداعك الشعري الصادق العاطفة، وقوة أدواتك البنائية التي أعطتنا هذه القصيدة الشامخة ببنائيها الفني والجمالي.


مقالات أخرى

رحلة معرفة وعلم وعمل

بقلم الأستاذة الدكتورة/ رضوى إبراهيم

تفاهاتي

بقلم الأديبة المصرية/ هناء سليمان

علاقة مميزة

بقلم الأديبة المصرية/ نهى عصام

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *