
التوتر وعلاقته بالتوازن البدنى والنفسى
بقلم الأستاذة الدكتورة/ رضوى إبراهيم- استشاري نفسي

تعتمد حياتنا على التوازن فى شتى النواحي، و يأتي الشعور بالتوتر نتيجة فقدان أجسامنا أو عقولنا توازنها الداخلي . والمصطلح الطبى لصراع تحقيق التوازن هذا هو ” الاتزان البدنى ” ، ويتم تعريفه كالآتي ، ” الاحتفاظ بحالات نفسية مستقرة نسبيًا … فى ظل ظروف بيئية متقلبة ” .
هذا وتقوم أجسامنا تلقائيًا بعملية الاتزان هذه – وإن كانت قوية – تحت جميع الظروف . فعلى سبيل المثال ، إذا وطأت قدمك مسمارًا، فسترسل على الفور الأعصاب الموجودة أسفل قدمك إشارات كهربية للنخاع الشوكي . ومن هناك تتجه الإشارات بسرعة إلى المخ ، حيث يتسبب اضطراب النشاط الكهربائي هذا فى توليد مواد كيميائية معينة تخبر جسمك بوجود عطب ما ويكون ذلك في صورة ألم . تستغرق تلك العملية كلها جزءًا من الثانية ، وعند انتهائها يحدث خللًا فى اتزانك يؤدى بك الى رفع قدمك على الفور من فوق المسمار ( وربما التنفيس عن نفسك قليلًا بإستخدام ألفاظ لغوية معينة ! ) قبل أن يتسبب ذلك فى إى تلف أو إصابة بقدمك .
فعندما تواجه تهديدًا أو أزمة ما مفاجئة ، يكرس جسمك كل طاقته وهرموناته وكذلك دورته الدموية كى يبحث عن طريقة للنجاة من الخطر . لذا فإن استجابتك النفسية المسيطرة هى التى تحفزك إما على الهروب من الخطر إو الوقوف أمامه ومحاربته .
إن استجابة المواجهة أو الانسحاب المستمرة منذ العصور القديمة هى التى أتاحت لرجال ونساء ما قبل التاريخ أن يكونوا صيادين ومحاربين مهرة فى عالم عدائي ملئ بالمخاطر . نعم ، ربما نكون قد مررنا بمراحل تطور ، لكننا مازلنا نحتفظ بمثل هذه الاستجابات كما هى . ولكن لسوء الحظ ، فقد تطورت وظيفة الاستجابة النفسية هذه من وسيلة للحماية من مخاطر كثيرة لتصبح وسيلة لمحاربة ضغوط الحياة اليومية وكأنها خطر يهدد حياتنا .
وهنا تكمن الخطورة ، فعندما تحدث استجابة ” المواجهة أو الانسحاب ” على فترات متباعدة ، يكون الجسم لديه القدرة على التعامل معها . وعند زوال الخطر ، يعود الجسم إلى توازنه الداخلى . لكن تحت وطأة التوتر المزمن ، يؤدي الاندفاع المستمر للهرمونات والكيماويات العصبية ، بإلإضافة الي استهلاك الطاقة المستمر الى تدمير الجسم بشدة فتكون النتيجة إرهاق الآليات الدفاعية للجسم حتى تضعف تماما ولا تستطيع مواصلة حالة التوازن الداخلي . وفى حالة فشل الجسم فى مقاومة التوتر والضغط ، يبدأ فى الانهيار فيزيائيًا ونفسيًا على حد سواء وكما قال أحد العلماء : إن الضغط يستنزف الطاقة التي تعتمد عليها وظائف الجسم المختلفة فى حين أن هذه الطاقة ضرورية للمحافظة على صحة جيدة حيث إنها تعمل على تجديد الخلايا التى تم تدميرها ، ومحاربة البكتيريا والفيروسات وتجديد كيمياء المخ المستهلكة ” . كما يضيف : ” ستزداد حالتك سوءًا حتى ينتهى بك الحال الى “ضرب الحائط ” أو ” استنفاد طاقتك ” . وإذا واصلت إلى هذه الحالة ، ربما تصاب بخلل مزمن . فهذه المحاربة التى يخوضها الجسم كي يحافظ على صحته فى مواجهة الطاقة التي تستنفدها ” .
وقد قدم أحد علماء النفس من واشنطن ” وصفا مناسبًا لمثل هذا الاعتداء الحاد على الجسم ، فقال : ” إن عملية إحراق الطاقة هذه مثل محاولة الجرى فى الماراثون بكامل سرعتك وبدون توقف . هل يستطيع إى إنسان العدو لمسافة ٢٦ ميلًا بكامل سرعته وبدون توقف ؟ بالطبع لا .فعملية ضبط السرعة هذه تعد ضرورية جدًا حتى بالنسبة لعدائى الماراثون المحترفين . ففى حالة عدم الالتزام بها ، تبدأ أجزاء الجسم المختلفة فى الانهيار . وبالمثل فإن عملية إحراق الطاقة تستهلك الجهاز الذهني مع مرور الوقت ” .
لذلك تكون حاجتنا للاتزان البدنى هذا ضرورية تمامًا كحاجتنا للطعام ، والشراب ، والمأوى ، والملبس . وعندما نتمكن من إدخال التوازن على نمط حياتنا ، يتمكن الجسم والعقل بدورهما من أداء وظائفهما معا بتناغم . لكن فى حالة عدم القدرة على الوصول لمثل هذا التوازن ، تكون النتيجة هى الشعور بالتوتر ، والمرض ، والإحباط وعادة ما يلى هذا خللًا بإحدى وظائف الجسم .
إن ظروف حياتنا مليئة بالضغوط ومشاعر القلق والاجهاد والخوف وكذلك عدم التوازن ، فنقع تحت وطأة العديد من القوى التى تدفعنا بعيدا عن الاتزان البدنى . وحينما تكون تلك القوى مفروضة علينا ، ينتهى الحال بنا الى المعاناة الذهنية والجسمية الشديدة والتى تؤدي بدورها الى المرض العضوى والنفسي . وهنا يأتى أهمية دور الوعي النفسى الموجه للمحافظة على الاتزان البدني ، فنحن بحاجة ماسة لهذه المساعدة لكي نصل الى شئ من التوازن وسط دوامة المجتمع الفوضوية المليئة بالتوتر.