القراءة و الكتابة: جمال و إبداع لا حدود له

صورة واتساب بتاريخ 1446 12 02 في 14.33.29 d1c4c361

القراءة والكتابة جمال و إبداع لا حدود له

بقلم الكاتبة / فاطمة قوجة- الإمارات

صورة واتساب بتاريخ 1446 12 02 في 14.25.53 45c07d30


النجاح لا حدود لهُ 

 سنصل إلى ما نريد..


أحلامنا لا تتوقف أبداً

ومساعينا تُرى بالأفعال

نحن نصنع طريق المستقبل 

بالصمود والسعيّ والإبداع

لا حدود لنا 

أكرمنا الله بالطريق  

ونحن علينا بالمساعي

نعم الرحلة طويلة 

ولكن..

 لا شيء يضاهي طريق النجاح



الكتابة هي عالم من المعرفة وحُب الاستكشاف..

فهي بحر عميق لا حدود له

 لأنك ستغوص في حب الكلمات والكتاب فهي الطريقة التي نعانق بها العالم بصمت..

وهي صوت القلب حين لا يجد من يُنصت لنا..

وهي مرآة الروح حين تضيق بنا الحياة

 لأنها وطن لا يخذل، وملجأ لا يُغلق بابه، والحبر الذي يرمم الشروخ التي لا تُرى..

فالكاتب لا يختار الكتابة، بل هي التي تختاره، تمسك بيده وتدفعه

 لأنه ينثر روحه على الورق.

“في كل حرف يُكتب، هناك نبض، وهناك أمل، وهناك حكاية تنتظر من يقرؤها بشغف”


نعم تألقت وأبدعت في حروفي، ليس لكبريائي بل لتميزي، لأنني كنتُ أتوقع كل هذا النجاح الجميل، كنت أعلم أن كتابي سيصل وبكل فخر ها هو وصل، منذ إصدار كتابي في معرض إكسبو الشارقة للكتاب، كان الحماس والحب في رؤية عيون القراء تجعلني أستمر وأعطي كل ما في قلبي لأثبت ان الحروف ان كتبت بين سطور تكلمت..

ثم أتى معرض أبوظبي الدولي للكتاب.. معرض لضخامته له هيبة عظيمة، عالم آخر من القراءة والكتابة، جمال وإبداع وتصور فوق العادة، يجتمع به نخبة من الكُتاب والقراء، شخصيات حول العالم أجتمعت لتثبت أن القلم كالسلاح ذو حدين لا يمكن ان يستهان به ابدا…!

معرض أبوظبي الدولي للكتاب هو أحد أبرز المنابر الثقافية في العالم، والذي يُقام سنوياً في قلب العاصمة الإماراتية؛ أبوظبي، ويُعدّ المعرض منصة حضارية تجمع بين الثقافات المختلفة، بهدف تعزيز حُب القراءة ونشر الثقافة والمعرفة محلياً وإقليمياً وعالمياً، وتعزيز التبادل الثقافي والحوار بين الشعوب. ويجمع المعرض سنوياً أقطاب صناعة النشر والصناعات الإبداعية، ويوفر فرصاً واعدة للمُنتمين لهذا القطاع لعقد شراكات جديدة والاطلاع على أحدث اتجاهات وتطورات هذه الصناعة الواعدة ومناقشة أولوياتها الأساسية.

انطلق معرض أبوظبي الدولي للكتاب عام 1981 تحت اسم “معرض الكتاب الإسلامي”، تحقيقاً لرؤية الأب المؤسس لدولة الإمارات العربية المتحدة، المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه. وتؤكد انطلاقة المعرض على أن التعليم والثقافة هما الدعامتان الأساسيتان لبناء دولة قوية متطورة، بجانب تطوير علاقات دولية ومدّ جسور التواصل بين مختلف دول العالم، حيث شكّل المعرض حافزاً لتأسيس نقطة التقاء لدور النشر في العالم العربي. وأسهم توالي الدورات الناجحة لمعرض أبوظبي الدولي للكتاب في ترسيخ مكانته لدى أقطاب صناعة النشر على الصعيدين الإقليمي والعالمي، وتنامت مُقوّمات جذبه لصانعي المحتوى والمبدعين ومحبي القراءة عبر مُختلف وسائط النشر التقليدية والرقمية.

لقد كانت بداياتي في الكتابة عبارة عن كلمة واحدة، ومن الكلمة وُلدت الكتابة، ومن الكتابة نشأ ذلك العالم الموازي الذي لا يُرى بالعين، بل يُحس بالقلب ويُفهم بالعقل. الكتابة ليست مجرد حروف تُسطر على ورق، إنها اختزال للروح، وبوح للذات، وترميم لما تكسر في الداخل. الكاتب حين يكتب لا يروي فقط قصة، بل يخلُق حياة، يُخرج ما لا يُقال، ينسج من الصمت حديثًا، ومن الحبر وطنًا.

الكتابة حالة من السُكر الجميل، لا تأتي دائمًا حين نطلبها، لكنها تحضر حين تحتاجنا، تمامًا كما تفعل الأحلام. هي في لحظةٍ ما دواء، وفي لحظةٍ أخرى سلاح. تكتب كي تهرب، وكي تواجه. كي تتخلص من وجعٍ، أو تحفظ فرحًا. تكتب لأنك لا تجد في العالم الواقعي مساحة كافية لصدقك، أو لأن الحياة بصيغتها العادية لا تكفيك.

أما القُرّاء، فهم مسافرون من نوع خاص. لا يحملون حقائب، لكنهم يحملون خيالًا واسعًا وشغفًا لا ينتهي. القارئ لا يقرأ فقط ليسلي نفسه، بل ليجد ذاته. في كل كتاب، هناك قطعة من روحه تنتظر أن تُكتشف، وجزء من أفكاره ينتظر أن يُعاد ترتيبه. القارئ الحقيقي لا ينتهي من الكتاب عند الصفحة الأخيرة، بل يبدأ منه. يظل الكتاب يعيش فيه، يعيد التفكير في جمله، يحاور أفكاره، ويحمل أثره معه أينما ذهب.

هناك لغة لا تُكتب، لكنها تُفهم بين الكاتب والقارئ. الكاتب يبعث برسالة قد لا يدرك تمامًا مداها، والقارئ يتلقاها بطريقة قد لا تخطر ببال الكاتب. لكنهما يلتقيان في نقطةٍ واحدة: الإحساس العميق بأن هذا العالم الورقي أكثر صدقًا من العالم الواقعي أحيانًا.

القراءة والكتابة لا تنفصلان. الأولى تُغذي الثانية، والثانية تُشعل نيران الأولى. الكاتب الجيد قارئٌ نهم، والكاتب الذي لا يقرأ كالسفينة التي بلا بوصلة. وكل قارئ، في لحظة ما، يودّ أن يكتب، أن يُجرب أن يكون الطرف الآخر من هذه المعادلة السحرية.

الكتب ليست أشياء ميتة، بل كائنات حيّة تتنفس داخلنا، تُغيرنا بهدوء، تصنع ثورة صغيرة في وعينا دون أن نشعر. كل كتاب نقرؤه يترك أثرًا لا يُمحى، وكل سطر نكتبه قد يكون نورًا في عتمة أحدهم.

فطوبى للكتّاب الذين يكتبون بصدق، وللقرّاء الذين يقرؤون بشغف. إنهم يصنعون حضارة من نور، في عالمٍ يميل كثيرًا نحو الظلمة.

الكتابة: رحلة إلى أعماق الذات

الكتابة ليست مجرد حروف تُسطر على ورق، بل هي مرآة تعكس أعماق الروح. هي لغة القلب التي لا تُسمع، ولكنها تُفهم. عندما يعجز اللسان عن التعبير، تأتي الكتابة لتكون الجسر بين الذات والعالم. هي وسيلة للتواصل مع الذات أولًا، ثم مع الآخرين. من خلالها نبوح بأحلامنا، نواجه مخاوفنا، ونشارك أفراحنا وأحزاننا.

الكاتب لا يكتب فقط ليُسمع صوته، بل ليُفهم. هو يخلق عوالمه الخاصة، ينسج شخصياته، ويُحيي أحداثه. الكتابة هي عملية إبداعية تتطلب الصدق، الشجاعة، والقدرة على الغوص في أعماق النفس البشرية.

كتاباتي التي أثرت في حياتي وحياة القراء وتركت أثر بالجميع، انا الكاتبة فاطمة قوجة ذات الطابع الحسي النادر الذي جعلتُ من كلماتي لها أثر في نفوس كل من يقرأ عباراتي، تركت بصمة في أرواح مُحبين المعرفة لأجعل من أحرفي رسالة انني أنا ذات الطابع الفريد، أنا الصفحة البيضاء التي تترك أثر في كل مكان تتواجد فيه، فسلامي الذي أرسله هو الأمان هو اليقين والسلام، مهما كانت الأسباب ستمضي بفضل الله تعالى، وكما كان اقتباس كتابي ” أبيضَ غامقٌ ” بعد كُل غامقٌ هناك فاتح لا مُحالة..

الكتابة ليست مجرد ترتيبٍ للكلمات، بل استحضار لما لا يُرى. هي عملية سريّة نغوص فيها نحو الأعماق، نلامس فيها جراحنا برفق، ونُخرج من الظلّ أحاسيس نسيها النور. نكتب لأن الإحساس لا يُحكى بسهولة. لأننا أحيانًا نشعر بما لا نستطيع شرحه، نرتجف من أشياء لا نعرف كيف نصفها، ونتألّم من فراغٍ لا شكل له.

في لحظة ما، تصبح الورقة أقرب إلينا من أي وجه، ونشعر أن الحبر أصدق من أي صوت. نكتب لكيلا ننسى، ولكي نمنح أحزاننا معنى، ونرسم لفرحنا ملامح لا يراها أحد سوانا.

ليست الكتابة رفاهية ولا عادة، إنها حاجة، مثل التنفّس تمامًا. حين تضيق الروح، ولا تجد منفذًا للقول، تبدأ الحروف بالزحف من الداخل، كأنها طوق نجاة من غرقٍ صامت. في كل إنسان قصة غير مكتملة، مشاعر بلا عنوان، وأصوات داخلية لا يستطيع مشاركتها. وحدها الكتابة تملك القدرة على أن تفتح هذا الصندوق المغلق، وتكشف ما عجز اللسان عن البوح به.


ما لا يُقال، يُكتب

القراء: سفراء العقول

أما القراء، فهم سفراء العقول، هم من يفتحون الكتب ليغرقوا في عوالمها، ليعيشوا تجارب شخصياتها، ويستخلصوا منها دروسًا وعبرًا، فالقارئ لا يقرأ فقط لتمضية الوقت، بل ليغذي عقله، يوسع آفاقه، ويُثري معرفته. القراءة تمنحنا القدرة على التفكير النقدي، على فهم الآخر، وعلى رؤية العالم من زوايا مختلفة، القراء هم من يُحيون الكتب بعد أن تُطبع، وهم من يُخلّدون الكلمات بعد أن تُكتب. بدونهم، تكون الكتابة مجرد حروف بلا روح القرّاء ليسوا مجرد مستهلكين للمعرفة، بل هم عناصر فاعلة في بناء المجتمعات وتطورها، فهم:


نواة التغيير والتقدم

القرّاء يتعرضون لأفكار وتجارب متنوعة، مما يجعلهم أكثر وعيًا، وبالتالي أكثر قدرة على قيادة التغيير في مجتمعاتهم.


سفراء للمعرفة

ينقل القرّاء ما تعلموه إلى غيرهم، سواء بالمباشرة (كالمعلمين والكُتّاب) أو بالسلوك والمواقف، مما يساهم في نشر الثقافة والفكر.


صانعو الرأي

القرّاء هم أكثر الناس فهمًا للقضايا، وبالتالي يصبح لهم دور في تشكيل الرأي العام، وقيادة النقاشات البنّاءة.

قدوة للجيل القادم

القرّاء يمثلون نموذجًا يُحتذى به في حب المعرفة والسعي للتعلم، وهذا يُلهم الأجيال القادمة لاتباع نفس المسار.


عماد الابتكار

القرّاء يربطون بين أفكار قديمة وجديدة، ويُنتجون من هذا التفاعل إبداعًا وابتكارًا يفيد مجالات متعددة، من العلم إلى الفن.


جسر بين الثقافات

القرّاء يتعرفون على ثقافات وشعوب متعددة من خلال الكتب، مما يجعلهم أكثر تسامحًا وتفهّمًا للآخر. هم من يُسهمون في تقليص الفجوات الثقافية، ونشر قيم الحوار والاحترام.


داعمون للفكر النقدي

القرّاء لا يكتفون بتلقي المعلومات، بل يتعلمون تحليلها ومقارنتها، ما يجعلهم أكثر وعيًا في مواجهة الأخبار الكاذبة والدعاية.


منارة في زمن الضجيج الرقمي

في زمن السرعة والمحتوى السطحي، يمثل القرّاء نموذجًا للعمق، وهم الذين يُعيدون التوازن للمعرفة وسط فوضى المعلومات العابرة.


مشاركون فاعلون في النهضة التعليمية

القرّاء يُشجعون التعليم الذاتي، ويغذّون محيطهم بأساليب تعلم حديثة وغير تقليدية، مما يثري العملية التعليمية على نطاق واسع.


أداة لحفظ الهوية والمعرفة

من خلال اهتمامهم بالكتب التراثية والأدبية، يسهم القرّاء في الحفاظ على الهوية الثقافية واللغوية، ويكونون خط الدفاع الأول ضد طمس المعالم الفكرية.


رُسل الوعي البيئي والاجتماعي

القرّاء غالبًا ما يكونون أكثر حساسية تجاه قضايا مثل البيئة، العدالة الاجتماعية، حقوق الإنسان، والمساواة، لأنهم مطّلعون على السياقات الأوسع.


قادة بالفكر قبل السلطة

القيادة لا تأتي دائمًا من المنصب، بل من الفكر. والقرّاء يشكلون قيادة معرفية وفكرية تؤثر في سلوك الآخرين، وتحفزهم نحو الأفضل.

القرّاء هم “المؤثرون الحقيقيون” في المجتمعات؛ تأثيرهم قد لا يكون صاخبًا، لكنه عميق ومستدام، فهم يزرعون الوعي وينيرون الدروب.

علاقة متبادلة: الكاتب والقارئ

العلاقة بين الكاتب والقارئ هي علاقة متبادلة. الكاتب يكتب ليُعبّر عن نفسه، والقارئ يقرأ ليُعبّر عن ذاته. الكتابة تمنح القارئ نافذة جديدة يرى من خلالها العالم، والقراءة تمنح الكاتب مرآة يرى من خلالها تأثير كلماته. هما وجهان لعملة واحدة، لا يمكن لأحدهما أن يكون كاملًا بدون الآخر، في عالمنا المعاصر، حيث تزدحم الحياة بالانشغالات، تظل الكتابة والقراءة ملاذًا للروح. هما المساحة التي نعود إليها لنجد أنفسنا، لنُعيد ترتيب أفكارنا، ولنتواصل مع الآخرين بصدق وعمق.

العلاقة بين الكاتب والقارئ علاقة تفاعلية تقوم على تبادل الأدوار، حيث يكتب الكاتب نصه، متخذًا من اللغة وسيلة لنقل أفكاره وتجربته الخاصة، إلا أن هذه الأفكار لا تجد معناها الكامل إلا عند التفاعل مع القارئ. القارئ بدوره لا يستقبل النص بشكل سلبي، بل يعيد إنتاجه داخليًا، مستندًا إلى خلفياته الثقافية والمعرفية والشخصية، ليمنح النص بُعدًا جديدًا قد لا يكون الكاتب نفسه قد تصوّره.

يُعد القارئ شريكًا أساسيًا في العملية الإبداعية، فهو الذي يمنح النص حياة جديدة مع كل قراءة. كما أن الكاتب، رغم فردية فعل الكتابة، لا يكتب بمعزل عن الآخر، بل يفترض دائمًا وجود قارئ يتفاعل مع كلماته، ويمارس نوعًا من الحوار غير المباشر معه. من هنا تنبع أهمية القارئ ليس فقط في تلقي النص، بل في تطويره واستمرارية تأثيره.

من جهة أخرى، تؤثر تعليقات القراء وملاحظاتهم على تطور الكاتب نفسه، حيث تلعب أدوار القراء في التحليل والنقد والمشاركة الفكرية دورًا في صقل وعي الكاتب، وربما في تعديل أساليبه أو توسيع رؤاه. وهكذا تصبح العلاقة بين الطرفين علاقة تغذية راجعة مستمرة.

تتجاوز هذه العلاقة حدود اللحظة الزمنية التي كُتب فيها النص، لتصبح جسرًا يربط بين أزمنة مختلفة، حيث يمكن لقارئ في الحاضر أن يحاور كاتبًا من الماضي، أو يستشرف عبر كلماته رؤى المستقبل. هذا الامتداد الزمني والمعرفي يُضفي على العلاقة بين الكاتب والقارئ طابعًا خالدًا.

الكاتب الحقيقي ليس من يسكنه الحرف فحسب، بل من يسكنه الهمّ، وتؤرقه الفكرة، ويقوده الشغف. إنه ذلك الذي يكتب رغم ضيق الوقت، وقسوة الظروف، وقلة التقدير. الكاتب المكافح هو من يكتب لأنه لا يستطيع أن يصمت، ومن يواصل الكتابة حتى حين لا يقرأه أحد، مؤمنًا أن الكلمة الصادقة لا تموت، بل تنتظر وقتها لتُزهر.

النجاح بالنسبة لهذا الكاتب لا يُقاس بعدد الصفحات المنشورة، ولا بعدد الجوائز التي قد تُمنح له، بل يُقاس بما يتركه في وعي القارئ، وما يثيره من أسئلة، وما يخلقه من أثر. هو من يعرف أن طريق القلم شاق، مليء بالعزلة والشكوك، لكنه لا يتراجع، لأنه يرى في كل سطر يُكتَب خطوة نحو التغيير.

ذلك الكاتب الناجح، ليس نجمًا عابرًا، بل نبض مستمر، وكفاح دائم من أجل الكلمة الحرة، والفكر المستنير. هو من يكتب لا ليُعجب، بل ليُوقظ. لا ليُشهر، بل ليُغير.

وفي علاقة هذا الكاتب بالقارئ، تنمو الأفكار، وتُبنى الحضارات، وتُصنع القفزات المعرفية. لأن وراء كل قارئ واعٍ، كاتب شجاع، ووراء كل لحظة وعي، رحلة كفاح طويلة عنوانها: الإيمان بالحرف.

وربما ليست الكتابة إلا محاولة بدائية لفهم المعجزة التي تحدث في داخلنا حين نشعر. نحن لا نكتب لأننا نعرف، بل لأننا نجهل. لأن الإحساس أوسع من اللغة، واللغة أضيق من القلب. نكتب لنمنح أفكارنا جسدًا، وأحاسيسنا شكلاً يمكن أن يُلمس، ولو على ورق. فالكتابة في جوهرها ليست فعل قول، بل فعل نجاة… نكتب كي لا نفقد أنفسنا، كي لا نضيع في زحام الداخل، وكي نظل نتحسس وجودنا وسط هذا الضجيج الصامت الذي يسمّى الحياة.

في كل حرف نكتبه، نحن نحاول ترميم شيء مكسور في داخلنا. في كل سطر، نحن نرتّب الفوضى التي لا يراها أحد. ولعل أجمل ما في الكتابة، أنها لا تطلب إذنًا، ولا تحكم علينا… بل تنصت، بكل صبر، إلى ما عجزنا عن قوله.

وفي النهاية، تبقى الكتابة وطناً لا يُغادره الإحساس، وملجأ نعود إليه حين يخذلنا العالم. هي المساحة الوحيدة التي نستطيع فيها أن نكون نحن، بلا أقنعة، بلا خجل، بلا خوف. نكتب لا لنُقنع الآخرين، بل لننجو… لأن من يكتب، لا يموت اختناقاً، بل يُولد من جديد مع كل حرف.

نحن لا نبحث عن معنى مكتمل، بل عن أثر، عن ظلّ شعور لم نقدر على تسميته، فاخترنا أن نكتبه.

نكتب لأن داخلنا فوضى لا يهدّئها الصمت، ولا يفهمها الكلام العادي. نكتب لأن الإحساس حين لا يُدوَّن، يتحوّل إلى ثقلٍ يُربك الروح. الكتابة ليست خلاصًا كاملاً، لكنها الباب الوحيد الذي نطرقه كلما ضاقت بنا الأزقة، وكلما خانتنا اللغة ونحن نواجه أنفسنا. وفي النهاية، لعل الكتابة ليست إلا طريقة الروح في أن تقول: أنا هنا… رغم كل شيء، ما زلت أشعر، وما زلت أحيا.

في كل سطر، لا نبحث عن منطق، بل عن أثر. لا نكتب لنُقنع أحدًا، بل لننجو. الإحساس حين يُحبَس، ينهار ببطء داخلنا، والكتابة تمنحه حرية مؤقتة. ليست الكتابة خلاصًا نهائيًا، لكنها اليد التي تمسك بك وأنت على وشك السقوط، وتقول لك: “اكتب… لتتذكّر أنك القوة التي لا تهزم.”


ولعلّ أعظم ما تمنحنا إياه الكتابة، أنها تجعلنا نُدرك أن الإحساس، حين يُكتب بصدق، لا يموت أبدًا.


مقالات أخرى

رحلة معرفة وعلم وعمل

بقلم الأستاذة الدكتورة/ رضوى إبراهيم

تفاهاتي

بقلم الأديبة المصرية/ هناء سليمان

علاقة مميزة

بقلم الأديبة المصرية/ نهى عصام

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *