
الكرو الأثرية: مدينة العجائب و الظواهر الغريبة
بقلم الدكتورة / بلسم أحمد القارح- أمين متحف – السودان

حيث تصفّحت الأشجار سفر الزمان ثم تحجّرت في الرمال شاهدة مثالية على تحولات الأرض
المذهلة في أعماق الصحراء السودانية حيث تمتزج رمالها بعبق التاريخ نشأ ياسين ابن مدينة الكرو الأثرية وقضي طفولته يلعب في السهول المنبسطة بين التلال المحيطة بالآثار والأهرامات الشامخة و في ذات يوم عندما شب قليلا عن الطوق وبينما كان يتجول مناجيا خليلاه في منبت أحلامه فوجئ بظهور كتل حجرية متناثرة على الأرض استغرب هذا التغير فتغير مكنونه واستعجب وغضب لمرتع صباه الحنون ونظر إلى الأرض متسائلًا مستنطقا لها ماذا بك يا أمي وارض جدودي أبخلت؟ أو جفوت؟ أم انك هرمت وتعبت؟ فيدنيه والده ويضمه مهونا عليه مجيبا على ما يختلج في صدره المفطور: إنما نسجت ثوبًا جديدًا من العجائب كاشفةً عن أسرارٍ خبأتها في أعماقها.”فأرضنا يا عمري هي عمرنا وباقية لعمركم وستبقى هي الأم الرءوم لكل العمر. هذه الكلمات زرعت في قلب ياسين شغفًا لا يوصف، فكبر وهو مولعٌ بدراسة تحولات الأرض وأسرارها ليصبح شاهدًا على عجائبها، وقاصًا لنا حكاياتها بلهجةٍ محليةٍ محببة.
الغابة المتحجرة في الكرو هي واحدة من أبرز تلكم العجائب والتي تروي قصة حدثت بالقرب من مدينة الكرو الأثرية لتبرز ظاهرة جيولوجية فريدة تُعرف بالغابة المتحجرة. تُقدَّر مساحة هذه الغابة بحوالي 61 فدانًا وتضم أشجارًا ضخمة وثمارًا متحجرة متناثرة على أرضها ويعود عمرها إلى ما لا يقل عن 135 مليون سنة وقد تكونت نتيجة تحولات مناخية مفاجئة أدت إلى تحجر الأشجار بفعل تقلبات حادة بين الحرارة الشديدة والبرد القارس.
كان اكتُشافها في تسعينيات القرن الماضي بعد أن كانت مطمورة تحت الرمال وظهرت إلى السطح بفعل عوامل التعرية الطبيعية. تقع الغابة على بُعد حوالي 20 كيلومترًا جنوب مدينة كريمة وحوالي 30 كيلومترًا من جبل البركل مما يجعلها من المواقع الأثرية الفريدة التي تستحق الزيارة والاستكشاف.
تواجه الغابة المتحجرة تحديات عدة تهدد بقاءها من بينها النهب والتخريب حيث تُستخدم بعض ثمارها المتحجرة في تزيين المباني والحدائق دون إدراك لقيمتها التاريخية والعلمية. بالإضافة إلى ذلك يُشكّل تغيّر المناخ تهديدًا آخر.
إن حماية هذه الغابة والحفاظ عليها يتطلبان اهتمامًا جادًا من الجهات المعنية وتوعية المجتمع المحلي والدولي بأهميتها التاريخية والعلمية. فالاستثمار في الحفاظ على هذا الكنز الطبيعي ليس فقط حفاظًا على جزء من تاريخ الأرض بل هو أيضًا تعزيز للهوية الثقافية والسياحية للمنطقة
ملحوظة: سيكون ياسين الطفل هو نفسه الشاب الذي سيحدونا في الرحلات القادمة إلى منطقة الكرو، حيث سنغوص معه في أعماق الأرض لنطل على مراقد الأجداد ونستكشف الكنوز المخبأة بين رمالها الذهبية فنرى مقار تعبدهم ومفاجآت أخر.