الملكة حتشبسوت: حكمٌ لا يُنسى وتأثيرٌ ممتد عبر العصور

صورة واتساب بتاريخ 1446 10 10 في 20.58.50 1754c5b0

الملكة حتشبسوت: حكمٌ لا يُنسى وتأثيرٌ ممتد عبر العصور

الدكتور/  حسين عبد البصير 

 

WhatsApp Image 2025 03 04 at 13.30.49 5c9af09a

 

 

الملكة حتشبسوت، واحدة من أعظم الشخصيات في تاريخ مصر القديمة، التي تركت بصمتها على وجه التاريخ بصفتها أول ملكة تُحكم مصر القديمة بشكلٍ مستقل. تُعد حتشبسوت مثالاً على القوة السياسية والحكمة القيادية التي ساعدت في استقرار البلاد وازدهارها في فترة كانت مليئة بالتحديات والصراعات. ومع أن العديد من التفاصيل حول حياتها قد خفت في ظل غياب الوثائق التاريخية الكافية، إلا أن ما تركته من آثار ومؤثرات ما زال يحظى بالاهتمام حتى اليوم.

 

نشأتها وتوليها العرش

 

وُلدت حتشبسوت في القرن الخامس عشر قبل الميلاد، في عهد أسرة التحامسة. والدها، الملك تحتمس الأول، كان من الملوك الذين أسهموا في توسيع حدود مصر ورفع شأنها في العالم القديم. ومع وفاة زوجها، الملك تحتمس الثاني، الذي لم يترك وريثاً بالغًا، تولت حتشبسوت منصب الوصية على ابن زوجها، الملك تحتمس الثالث، الذي كان لا يزال طفلاً في تلك الفترة. ولكنها، وبحكمةٍ وحزمٍ، تمكنت من الإمساك بزمام السلطة بشكل كامل لتصبح أول امرأة في تاريخ مصر القديمة تحكم البلاد بصفة فرعون.

 

تصوراتها الملكية وتقديم صورتها الملكية

 

من أبرز السمات التي تميزت بها حتشبسوت هي طريقتها الفريدة في إدارة الحكم. فبدلاً من اتباع التقليد المعتاد في تمثيل الملكات، اختارت حتشبسوت أن تُصوّر نفسها في تماثيلها ورسوماتها على أنها فرعون، مما يعكس رغبتها في التأكيد على قوتها وشرعيتها كحاكمٍ للبلاد. وتلك التماثيل التي تُظهرها وهي ترتدي التاج الملكي وتحتفظ بالرموز الملكية، مثل العصا والمذراة، ساعدت في تكريس صورتها كحاكمٍ مصري، حتى وإن كانت امرأة.

 

لقد جسدت حتشبسوت الصورة المثالية للفرعون الذي يجمع بين السلطة والرحمة، الأمر الذي أهلها لقيادة مصر في فترة ازدهار اقتصادي وثقافي. ومن خلال إصرارها على إظهار نفسها في صورة الفرعون، استطاعت أن تحافظ على هيبتها وتفردها في عالمٍ كان الرجال يهيمنون فيه على المناصب العليا.

 

الإنجازات المعمارية والاقتصادية

 

إن فترة حكم حتشبسوت ليست فقط مشهورة بسبب استقرارها السياسي، بل أيضًا بسبب النجاحات الكبيرة في مجال البناء والتنمية الاقتصادية. كان معبد الدير البحري، الذي يُعتبر من أعظم آثارها المعمارية، واحداً من أروع المشروعات التي نفذتها. يُعد المعبد تحفة معمارية فريدة تم تشييدها في غرب طيبة (الأقصر الحالية)، وهو يعكس حب حتشبسوت للفن واهتمامها بتعزيز مكانتها في الذاكرة التاريخية. يمتاز المعبد بتصميمه الذي يتناغم مع البيئة الطبيعية المحيطة، ويُعتبر مثالاً مبدعاً على المعمار المصري القديم.

 

إلى جانب مشروعات البناء، اهتمت حتشبسوت بتعزيز الاقتصاد المصري من خلال تنظيم حملات تجارية واسعة إلى بلاد بونت، التي كانت تقع في منطقة الصومال الحالية. وقد جلبت هذه الحملات موارد هامة، مثل اللبان والعطور والأخشاب الثمينة، مما ساهم في زيادة ثروات المملكة واستقرارها الاقتصادي.

 

إرثها وصراعات ما بعد وفاتها

 

على الرغم من إنجازاتها البارزة، إلا أن وفاة حتشبسوت أدت إلى تغييرات جذرية في مصر. فقد تولى تحتمس الثالث، الذي كان قد أصبح بالغًا، العرش وبدأ في محو العديد من آثار فترة حكمها، بما في ذلك تماثيلها ونقوشها. هذا التصرف قد يعكس الصراع بين الأجيال وطموحات السلطة، حيث كان تحتمس الثالث يريد أن يُظهر حكمه بوصفه بداية جديدة بعيدة عن إرث المرأة التي حكمت مصر.

 

لكن التاريخ لا يُنسى، وكان إرث حتشبسوت أعظم من أن يتم محوه بالكامل. فقد أُعيد اكتشاف العديد من آثارها خلال أعمال الحفر العلمية الحديثة، وتم تصحيح العديد من التصورات التي كانت قد تم تشويهها عن حياتها وحكمها.

 

إن حتشبسوت، وإن كانت قد عاشت في زمن بعيد، تبقى مثالاً على القوة والإرادة. حكمتها وإدارتها الحكيمة أدت إلى تحقيق الاستقرار والازدهار لمصر، وكانت فترة حكمها أحد الفترات التي تميزت بالنمو الاقتصادي، كما كانت أيضًا بداية لحقبة من الفن والثقافة التي شكلت جزءًا من هوية مصر القديمة. ورغم محاولات تحتمس الثالث محو آثارها، إلا أن الأجيال الجديدة في مصر والعالم لم تنسَ أبدًا الملكة التي حكمت مصر بعزم وحكمة.

 

مقالات أخرى

رحلة معرفة وعلم وعمل

بقلم الأستاذة الدكتورة/ رضوى إبراهيم

تفاهاتي

بقلم الأديبة المصرية/ هناء سليمان

علاقة مميزة

بقلم الأديبة المصرية/ نهى عصام

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *