الملكة نفرتاري: ملكة الجمال والحكمة في مصر القديمة

WhatsApp Image 2025 03 19 at 14.56.42 b1d9a12a

الملكة نفرتاري: ملكة الجمال والحكمة في مصر القديمة

تقديم الدكتور / حسين عبدالبصير- عالم الآثار المصرية و مدير متحف الآثار بمكتبة الإسكندرية 

 
WhatsApp Image 2025 02 27 at 12.00.46 3124dbeb


تمثل الملكة نفرتاري واحدة من أعظم ملكات مصر القديمة، حيث جمعت بين الجمال والذكاء والمكانة الرفيعة، وشكلت نموذجًا فريدًا للملكة القوية والمؤثرة في الحياة السياسية والدينية والفنية خلال عهد الدولة الحديثة. كانت الزوجة الكبرى والأقرب إلى قلب الملك رمسيس الثاني، الذي خلد ذكراها في المعابد والنقوش والتماثيل، ووهبها مقبرة تعد من أروع ما أبدع الفن المصري القديم.


أصول الملكة نفرتاري ومكانتها في البلاط الملكي


لا توجد معلومات دقيقة عن أصول الملكة نفرتاري، لكن يُرجح أنها تنتمي إلى عائلة نبيلة من طيبة، حيث نشأت في بيئة أرستقراطية أهلتها للارتباط بالعرش المصري. تزوجت من الملك رمسيس الثاني في مرحلة مبكرة من حياته، قبل أن يتولى الحكم، وظلت إلى جانبه حتى وفاتها. حملت ألقابًا ملكية عديدة تعكس مكانتها المتميزة، مثل “الزوجة الملكية العظمى”، “سيدة الأرضين”، و”المحبوبة التي لا مثيل لها”، وهي ألقاب تدل على تأثيرها الكبير داخل البلاط الملكي وخارجه.


الدور السياسي والدبلوماسي للملكة نفرتاري


لم تكن نفرتاري مجرد زوجة ملكية تقليدية، بل لعبت دورًا دبلوماسيًا بارزًا، خاصة في تعزيز العلاقات بين مصر والدول المجاورة. يتجلى ذلك في المراسلات التي تبادلتها مع ملوك الحيثيين بعد معاهدة السلام التي أبرمها رمسيس الثاني مع الملك الحيثي حاتوسيليس الثالث عقب معركة قادش. حملت بعض الرسائل التي عُثر عليها إشارات إلى مكانتها الدبلوماسية، حيث كانت تتبادل الهدايا والرسائل مع الملكة الحيثية، مما يدل على دورها المؤثر في السياسة الخارجية المصرية.


الملكة نفرتاري والدين والفن


كان للملكة نفرتاري دور بارز في الحياة الدينية، حيث كانت راعية للعديد من الطقوس الدينية، وظهرت في النقوش وهي تقدم القرابين للآلهة، خاصة الإلهة حتحور، التي ارتبطت بالجمال والحب والأمومة، والإلهة إيزيس، التي كانت رمزًا للحكمة والسحر والحماية. كما كان لها حضور في المهرجانات الدينية الكبرى التي أقيمت خلال عهد رمسيس الثاني، مما يعكس مكانتها الروحية داخل المجتمع المصري القديم.


أما من الناحية الفنية، فقد خلدت نفرتاري في العديد من المنحوتات والنقوش التي تظهرها بجمال آخاذ وأناقة ملكية، حيث ارتدت أروع الأزياء والمجوهرات الملكية، ووضعت التيجان المزينة بريش النعام وقرني الكبش، مما يعكس المكانة السامية التي تمتعت بها. كما كُرمت بشكل خاص في معبد أبو سمبل، حيث خصص لها رمسيس الثاني معبدًا مستقلًا، في بادرة نادرة لم تحصل عليها الكثير من الملكات في تاريخ مصر القديمة.


مقبرة نفرتاري: درة وادي الملكات


تعد مقبرة الملكة نفرتاري في وادي الملكات من أعظم الإبداعات الفنية في التاريخ المصري القديم، حيث تميزت بجدرانها المزينة برسوم نابضة بالحياة وألوان زاهية لم تفقد بريقها رغم مرور آلاف السنين. تصور الجداريات مشاهد دينية تعكس رحلة الملكة في العالم الآخر، حيث تظهر وهي تتعبد أمام الآلهة وتحظى بحمايتهم، وفقًا لمعتقدات المصريين القدماء حول الحياة بعد الموت.


زُينت المقبرة بنصوص دينية مقتبسة من كتاب الموتى، والتي تهدف إلى ضمان حياة أبدية سعيدة للملكة في الدار الآخرة. تعد مقبرة نفرتاري واحدة من أروع المقابر الملكية المكتشفة في مصر، وتُلقب بـ”سيستين تشابل” مصر القديمة، نظرًا لجمالها الفني الفائق الذي يجعلها من أهم معالم التراث المصري القديم.


إرث نفرتاري وخلودها في الذاكرة المصرية


رغم مرور أكثر من ثلاثة آلاف عام على وفاة الملكة نفرتاري، فإن سيرتها لا تزال حاضرة في الأذهان، حيث بقيت رمزًا للجمال والرقي والحكمة. خلدتها الفنون المصرية القديمة، وألهمت العديد من الباحثين والمؤرخين الذين سعوا لفهم دورها وتأثيرها في حقبة من أزهى فترات الحضارة المصرية. لم تكن نفرتاري مجرد ملكة في البلاط الملكي، بل كانت نموذجًا للمرأة القوية التي ساهمت في صنع تاريخ مصر القديمة، وتركت وراءها إرثًا خالدًا لا يزال يبهر العالم حتى اليوم.


مقالات أخرى

رحلة معرفة وعلم وعمل

بقلم الأستاذة الدكتورة/ رضوى إبراهيم

تفاهاتي

بقلم الأديبة المصرية/ هناء سليمان

علاقة مميزة

بقلم الأديبة المصرية/ نهى عصام

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *