
النقد الفني لمسلسل "اللام الشمسية": معالجة جريئة لقضية التحرش بالأطفال
بقلم الناقدة السورية دكتورة/ عبير خالد يحيي

يأتي مسلسل اللام الشمسية كعمل درامي يحمل رسالة اجتماعية وإنسانية عميقة، حيث يطرح قضية التحرش بالأطفال وتداعياتها النفسية والاجتماعية، متناولًا الجريمة بطرح إيحائي بعيد عن المباشرة أو الابتذال. بُنيت الشخصيات بدقة وعمق، ما جعلها مقنعة وقادرة على إيصال رسائلها دون الحاجة إلى مشاهد صادمة، بينما لعبت الإضاءة دورًا بارزًا في تعزيز الأجواء الدرامية، إذ وُظفت بمهارة لتسليط الضوء على الأبعاد النفسية للشخصيات.
الإضاءة وبناء الشخصيات:
استخدام الإضاءة في المسلسل كان له دور بارز في تعزيز الأجواء الدرامية وإبراز التوتر والقلق الذي يعيشه الضحايا. كما أن بناء الشخصيات تم بعناية فائقة؛ حيث قُدمت شخصية “وسام” كمعلم مثالي وصديق مقرب للعائلة، مما يعكس كيف يمكن للجاني أن يكون قريبًا من الضحية ومحل ثقة. أما شخصية “يوسف”، فقد عكست بواقعية معاناة الطفل الضحية وصراعه النفسي، وهو ما تجلى في أدائه الصامت والمعبر.
ردود الفعل والتأثير المجتمعي:
أثار المسلسل ردود فعل متباينة؛ حيث أشاد البعض بجرأة الطرح وأهميته في زيادة الوعي حول هذه القضية الحساسة، بينما عبر آخرون عن قلقهم من تأثير المشاهد على الأطفال المشاركين. ردًا على ذلك، أكد المخرج كريم الشناوي أن تصوير المشاهد الحساسة تم تحت إشراف متخصصين في حماية الأطفال لضمان سلامتهم النفسية والجسدية.
الأغاني والقصائد ودورها في العلاج النفسي
كان للنشيد الذي يردده الطفل يوسف أثر عاطفي ونفسي بالغ، إذ يعكس ببساطة عذبة معاناته الداخلية، حيث يقول:
لام شمسية ولام قمرية، واحدة نقولها وواحدة خفية،
القمرية زي ما هي، زي الباب والعين والقلب،
والشمسية متخبية، زي السر وزي الذنب،
والقمرية لام منطوقة، موجودة في كل الأحوال،
والشمسية لام مسروقة، مش كل المكتوب يتقال.
هذا النشيد، الذي كتبه الشاعر مصطفى إبراهيم خصيصًا للمسلسل، كان أكثر من مجرد أغنية، بل كان انعكاسًا رمزيًا لصراع يوسف النفسي، حيث تجسد اللام الشمسية الأسرار والآلام المخفية، فيما تمثل اللام القمرية كل ما يُقال بصوت عالٍ دون خوف. وظّف العمل هذا العنصر بأسلوب علاجي، إذ وفّر للطفل وسيلة غير مباشرة للتعبير عن وجعه، ما يعكس أهمية استخدام الفن في معالجة الصدمات النفسية.
دور الطبيب النفسي والتعليم والإرشاد التربوي والأسري
لم يكن التركيز في المسلسل منصبًا على دور الطبيب النفسي بشكل مباشر، لكنه سلّط الضوء على أهمية الدعم الأسري والتربوي. تجسدت هذه الفكرة في شخصية نيللي (أمينة خليل)، التي مثّلت دور الزوجة الحاضنة والداعمة، حيث حاولت منح يوسف الأمان الذي فقده. كذلك، لعبت المدرسة دورًا مهمًا، إذ أشار المسلسل إلى ضرورة توعية المعلمين بكيفية اكتشاف ومتابعة مثل هذه الحالات لحماية الأطفال ومنع تكرار المأساة.
وسائل التواصل الاجتماعي وتأثيرها على القضاء
لم تبقِ القصة أحداثها داخل الجدران المغلقة، بل توسعت إلى الفضاء العام من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، حيث أثارت القضية ضجة واسعة جعلتها قضية رأي عام. تصاعد الجدل مع انتشار تفاصيل القضية، مما وضع الجهات القضائية تحت ضغط مجتمعي كبير دفعها للتحرك بجدية.
القضاء بين التحمس والتحفظ
عكست لجنة القضاء التباين في وجهات النظر داخل المنظومة العدلية، حيث ظهر قاضٍ متحمس رأى ضرورة إصدار حكم رادع يضع حدًا لمثل هذه الجرائم، في مقابل قاضٍ آخر متحفظ، يصرّ على اتباع الإجراءات بحذر لضمان تحقيق العدالة دون التأثر بموجة الغضب الشعبي. هذا الصراع القانوني أضاء على التحديات التي تواجه العدالة في عصر أصبحت فيه قضايا الرأي العام تُحسم أحيانًا على منصات التواصل قبل أن تصل إلى قاعة المحكمة.
خاتمة
نجح اللام الشمسية في تقديم دراما إنسانية جريئة، لا تسعى فقط لكشف الجريمة، بل لفتح نقاش أوسع حول سبل الحماية والوقاية، ودور المجتمع في معالجة آثار الاعتداءات النفسية على الضحايا. لم يكن المسلسل مجرد قصة عن طفل تعرض للتحرش، بل كان صرخة توعوية بضرورة كشف المستور، لكسر دوائر الصمت والخوف، وتجفيف منابع هذه الجريمة التي تنخر في جسد المجتمع بصمت قاتل.