
بمناسبة الاحتفال بعيد العمال: العمال في مصر القديمة
بقلم الأستاذة/ يسرية الغندور- كبير باحثين بدرجة مدير عام بوزارة السياحة والآثار -مصر

كان المجتمع المصري قديماً على قدر كبير من الحفاظ على مبدأ الترتيب الطبقي، حيث تمثلت نخبته في مجموعة من علية القوم والمتعلمين والبطانة الملكية، ثم تأتي طبقة أصحاب المهن والحرف، وهم الطبقة الوسطى في المجتمع، التي تزاول عملها في بيئة حضرية في أغلب الأحوال وفي ظل نظام إداري.
كانت الأعمال الحرفية هي الأكثر استقرارُا في البلاد، وتخضع لنظام دقيق يحكمها، وتشير النصوص المصرية القديمة إلى أن حياة العمال والحرفيين كانت أكثر يسرًا مقارنة بالفلاحين ويعتبر الصيد والزراعة من أقدم الحرف فى العصر الفرعوني ثم أصبح المصرى القديم فى احتياج لتخزين ما يصيده ويزرعه فلجأ إلى صناعة الفخار وهي من أقدم الحرف التي عرفها الإنسان والفخار هو أي شيء تم صناعته من طين وهناك نوعان : الطين المدري والطين الحجري الأول يحصل عليه من مجاري الأودية والأنهار والهضاب والثاني يحصل عليه من الجبال وهي صخرة يتم طحنها لتصبح قابلة للعجن.أسئلة أخرى يمكن أن تتبادر للأذهان مثل:
ما الحرفة التي كان يعمل بها أجدادنا القدماء؟
تعتبر صناعة النول من أشهر الأنشطة اليدوية التي يقوم بها شعب النوبة، وتعتبر صناعة النول من الصناعات التي يتم توريثه أبًا عن جد، حيث أنه يتم استخدم آلة النول لصنع الشال والقماش والملابس النوبية، والنول هو عبارة عن آلة تدار يدويًا .وهناك عبارات فى النصوص القديمة تحرص على العمل منها: [اجتهد في كل وقت]، [افعل أكثر مما هو مطلوب منك]، [لا تُضيع الوقت إذا كنت قادراً على العمل]، [مكروه كل من يسيء اغتنام وقته]، [لا تهدر فرصة تعزز ثروة بيتك]، [العمل يأتي بالثروة، والثروة لا تدوم إذا هجرت العمل]”، هذا المقتطف مثال لتعاليم أدبية أعلت من شأن العمل وقيمته في الفكر المصري القديم، وأبرزت إيمان المصريين بأنه سبيل كل تقدم و نهضة، ومصدر كل بناء على المستويين الاجتماعي والحضاري.
وتكشف العديد من النقوش والنصوص المصرية القديمة أن العامل لم يكن مجرد تُرس في آلة لصنع الحضارة، بل كان عنصرًا أساسيًا وشريكًا روحيًا في عملية البناء، ويحظى باهتمام واحترام أصحاب “صروح المجد” من معابد وأهرامات وقصور، وقد سجّلت تلك النصوص جانباً مهماً من تفاصيل حياة هؤلاء العمال، موثّقة ظروف عملهم، بل وحتى احتجاجاتهم ومطالبهم العادلة.
إن دراسة تلك النصوص تفتح نافذة على أقدم وعي حضاري بحقوق الإنسان العامل، بل تُبرز كيف أن حضارة وادي النيل لم تكن حضارة عمارة وفنون فحسب، بل أيضاً حضارة مفاهيم إنسانية وعدالة اجتماعية، كما يتضح من نصوص مثل بردية “دير المدينة”، والتي تعتبر من أقدم الوثائق التي تسجّل شكوى جماعية لعمال تأخرت أجورهم، مما يسلّط الضوء على وجود نوع من الوعي بالحقوق في تلك الفترة.
وهكذا نرى تقدير المصري القديم لقيمة العمل و أهميته في حياته.