
تقبّل شجار أبنائك بهدوء
بقلم الدكتورة/ رضوى إبراهيم- استشاري نفسي

لا شيء أشد إزعاجًا من شجار الأبناء الذي يعصف بصفو المنزل وسكينته، فكم من مرة وجدنا أنفسنا في مواجهة نزاعات يومية بينهم، تصدح أصواتهم وتتعالى الخلافات، فنشعر بانزعاج شديد. ورغم ذلك، كثيرًا ما نسمع نصائح الأهل والأصدقاء، يطمئنوننا بقولهم: “من الأفضل أن تعتادوا على ذلك، فهذا طبيعي بين الإخوة”. وربما ندرك لاحقًا أن كلماتهم تحمل شيئًا من الحكمة، فالشجار بين الأشقاء واقع لا مفر منه في الحياة الأسرية، لكن التحدي الحقيقي يكمن في كيفية التعامل معه لا في تفاديه.
قد أكون أول من يعترف بأن شجار الأبناء يثير في نفسي ضيقًا شديدًا، لكنني وجدت أن أفضل نهج للتعامل معه، سواء كأب، أو جد، أو حتى مربٍ، هو التسامح مع وجوده. صحيح أن التسامح هنا يسهل قوله ويصعب تطبيقه، لكنه يبقى الحل الأمثل، وربما الوحيد.
هناك سببان وجيهان يدعوان إلى قبول شجار الأبناء بصدرٍ رحب:
أولهما أن مقاومة أي أمر تجعله أكثر تعقيدًا وأشد وطأة مما هو عليه بالفعل. فعلى سبيل المثال، عندما يحتدم الجدال بين أبنائك، ثم تتدخل بعنف أو انفعال أو حتى بتعجل، حينها لا تجد نفسك تتعامل مع خلافهم فحسب، بل تصبح في معركة أخرى مع مشاعرك، حيث يرهقك التوتر ويرتفع ضغط دمك، ويتسلل إليك الإحباط. وهكذا، تتحول مقاومتك لشجارهم إلى سبب في تضخيم المشكلة عوضًا عن تهدئتها.
أما السبب الثاني ، فهو أن مقاومتك للشجار تشجع على حدوثه أكثر مما تمنعه. فحين تصرخ غاضبًا لتفرض النظام، ترسل لأبنائك رسالة خاطئة، تُظهِر لهم أنك لست قدوة تُحتذى بها في ضبط الأعصاب. فكيف تطلب منهم السكينة وأنت نفسك تعاني من التوتر؟ غالبًا ما يستشعر الأطفال غضبك وانزعاجك، فيسعون لاستمالتك إلى طرفهم، لتزداد وتيرة النزاع بدل أن تنطفئ.
لكن لا داعي للقلق، فالعكس صحيح تمامًا؛ عندما تتسامح مع الشجار وتتقبله كجزء من أعباء التربية، فإنك تساهم في إخماد نيرانه. بل هناك علاقة طردية بين مدى تقبّلك له وبين انخفاض حدّته؛ فكلما تعاملت معه ببرود واتزان، قلّ عدد المشاحنات التي تُضطر إلى مواجهتها.
بطبيعة الحال، ستأتي لحظات تحتاج فيها إلى التدخل بحكمة، فمن واجبك توجيه أبنائك نحو سلوك أكثر تسامحًا. لكن الشجار الذي أتحدث عنه هنا هو ذلك الجدال اليومي المعتاد، الذي لا يستحق أن تستهلك طاقتك في مقاومته.
في كثير من الأحيان، القبول والتسامح مع الأمور كما هي، بدلاً من الإصرار على تغييرها، هو مفتاح السكينة والهدوء في الحياة. لذا، عندما تنأى بنفسك عن الصدام، وتختار ألا تنخرط في الفوضى، فإنك تقدم لهم نموذجًا للاتزان، وسرعان ما تجدهم يقتدون بك، ليحلّ السلام حيث كانت الفوضى.