رواية تنهنان، النبع والجبل والياقوت الأزرق للأديبة ليلى تباني

WhatsApp Image 2025 01 16 at 13.42.33 766535d9

رواية تنهنان، النبع والجبل والياقوت الأزرق للأديبة ليلى تباني

بقلم الأديبة/ هناء عبيد

WhatsApp Image 2025 01 16 at 13.42.31 11006f4b



صدرت رواية تنهنان للأديبة الجزائرية ليلى تباني عن دار خيال للنشر والترجمة وجاءت في ٣٦٠ صفحة من الحجم المتوسط

وهي الرواية الأولى لها.


 الغلاف 

يظهر في الغلاف لوحة فنية لسيدة تحمل رمحًا وتركب الجمل، تلبس ثيابًا مميزة، تبدو وكأنها ملكة شاردة من زمن عريق مضى، تقود قافلة عبر الصحراء مخترقة وعورتها وكثبان رمالها، كما تظهر عبارات ذات رموز مميزة، فتجعلنا في حيرة لتنهال  تساؤلاتنا؛  من هي تلك المرأة الّتي تبدو وكأنها ذات شأن كبير و دور مهم في خط مجريات تاريخ، وكيف سطرت بطولاته؟ بل وتجعلنا في شوق للانتهال باستزادة وفضول كبير عن تاريخ وجغرافية أمة بأسرها. 


 العنوان 

يشير العنوان إلى مكان ما، ويوحي إلى طبيعة خلابة تأخذنا إلى الغوص في جغرافيا وتاريخ أمة أو أساطيرها، إذ أن الإشارة إلى النبع والجبل يأخذانا بعيدًا عن الحياة العصرية الّتي لم تعد مفردات الطبيعة من ضمن قاموسها، تمامًا كما يفعل الياقوت الأزرق الّذي يأخذنا إلى قصص وحكايات الأقدمين وأساطيرهم.


 الإهداء 

الإهداء فيه امتنان إلى أؤلئك الّذين يبعثون الأمل في الروح، ويشجعون على المضيّ قدمًا في مواجهة الصعاب مهما عمقت، ويدركون أن الحرف سينبت منه زهر الياسمين

إذ تقول في إهدائها: 

“أهدي نصّي إلى كل من قال لي يومًا:

أكتبي فسيزهر حول خطوطك زهر الياسمين”.


أمّا مقدمة الرواية فقد اقتبستها الأديبة من كتاب الجنس الآخر لسيمون دي بوفوار والّذي يوحي لنا أن الانتصار للمرأة له دوره في أحداث الرواية. إذ يقول:

“ليس بوسع البيولوجيا الإجابة عن السؤال الّذي يشغل بالنا:

لماذا تكون المرأة الجنس الآخر؟ علينا أن نعرف ما فعلته الإنسانية بالأنثى البشرية…”


تتكون الرواية من سبعة عشر فصصلًا؛ كل فصل له عنوانه الخاص، يبدأ الفصل الأول بعنوان “مملكة أرض الغزال” وفيه نتعرف على الأميرة تينرت الرافضة للعادات والتقاليد الّتي تمنع الفتاة بأن ترث الحكم من بعد وفاة أبيها. كما نتعرف على بقية عائلتها. 

أما في الفصل الثاني حيرة، فنشهد  مع الأحداث موت كبير المنجمين وحكيم القصر منيلاس ونتعرف على زوجته الحكيمة يثريت الّتي تستعين بها الأميرة.، وهكذا تمضي الفصول، نطلع من خلالها على شخصيات معينة مميزة وأحداث تتنامى حتى النهاية.


 ثيمة الرواية :


تأخذنا الأحداث إلى عهد مضى في حياة أميرة تختار الرحيل في الصحراء لتجد الحرية التي لم تجدها في مملكة والدها لكونها أنثى، فهي ذات شأن عظيم في الحكمة وبطلة في مقارعة الأبطال والنزال، ترفض الظلم الّذي يبعدها عن مركز الملكة، فلماذا إذن لا ترث الحكم وهي جديرة به؟! ومن قال أن الأنثى لا يمكن أن تمسك زمام الأمور بكل حكمة ودهاء.

تقرر الرحيل عبر الصحراء مع الأقربين إلى قلبها؛ رحلة الصحراء بكل ما فيها من شقاء ورياح مدمرة وزواحف سامة ومخاطرة كبيرة، إنها رحلة الحكيمة الواثقة الحرة الّتي تنشد العدل والحرية والاستقرار.

تواجه العديد من المخاطر، لكن بشجاعتها وحكمتها وإخلاص من معها تستطيع تجاوز الصعاب.

في طريقها إلى هدفها المنشود تلتقي بملك أدرار؛ الملك المعروف بظلمه لشعبه، ولولا حكمتها ودهائها في التعامل معه لكانت من ضحاياه أيضًا، لكن ما حصل كان عكس ذلك، فقد استطاعت بحنكتها أن تخلّص الصحراء من ظلمه بكل هدوء وسلام ودون أن تنزل قطرة دم في سبيل ذلك، كما أنها حررت الملك من ظلمه لنفسه، وعالجته من مرض لم يقو عليه طبيب، فأصبحت بين ليلة وضحاها نجمة تتربع على عرش قلبه، فلما غابت عنه برحيلها أفل نوره، وكيف لا يكون ذلك وهي الأميرة الجميلة الّتي رفضت القيد وأموال الدنيا وجابت الصحراء كي تتحرر من عبودية الذكورة؛ مؤكدة للجميع أن الحرية لا يمكن أن تصل إليها كل أموال الكون، إنما الإصرار والاجتهاد والكد والتعب هم السبيل إليها وإلى تحرير العبد من قيده وتخليصة من العبودية. 



 تقنية السرد 


لعل استخدام ضمير المتكلم يقربنا أكثر من الشخوص  ويعرفنا على دواخلهم بدقة أكبر كذلك سلوكياتهم، لكن تم السرد هنا بضمير الغائب (السارد العليم) ببراعة بحيث استطعنا التعرف على كل شخصية بالتفاصيل الدقيقة. 


في الصفحة ١١٥ تقول:

“أرجو أن تكوني بخير يا أمي.

لمعت عينا الحكيمة معلنة سعادتها العارمة بتصريح الأميرة”.

نتعرف من هذه العبارة المسرودة بلسان السارد العليم دواخل الحكيمة ومشاعرها بدقة، إذ شعرنا معها تمامًا بل وسعدنا لها أيضًا وأصابتنا قشعريرة الفرح الّتي تلازمنا حين نستشعر صدق العبارة.

استعانت الروائية بالحوارات الخارجية بمهارة؛ لتتحدث الشخصيات عن نفسها.

لغة السرد بديعة، رصينة، قوية، استخدمت فيها العبارات المكثفة، فالعديد من الأحداث تمّ اختصارها في جمل محدودة، وهذه إحدى أدوات القص البارع.


المفردات في الرواية تناسبت مع أجواء الصحراء والزمن الماضي،  وجاءت متناغمة مع زمن الرواية ومكانها وأحداثها، وزادت من جمالية انسيابية السرد ولم تكن مقحمة غريبة عن النص. وقد خصصت الروائية هوامش للتعريف ببعض المفردات، وبعض الاقتباسات.


كان للروائية فلسفتها الخاصة في رسم شخصية بطلة الرواية وبقية الشخوص واستطاعت أن تغوص في أعماق نفس الأميرة وتسبر أغوارها، فهي ليست كغيرها من النساء، حيث لها فلسفتها في الحياة ولا تريد أن تكون كغيرها؛ مجرد فتاة جميلة تشبع الأنظار فحسب، بل تريد أن تعيش حريتها المطلقة التي تعطيها الأحقية في تحقيق كل أحلامها بعيدًا عن العنصرية والتمييز، فالفتاة لا يقف أمام إصرارها أي مانع من توليها زمام الحكم كالرجل. نرى بالرواية كيف أن المرأة الّتي تقطر أنوثة تبارز أعتى الرجال واكثرهم سطوة، فتتغلب عليه برمية سيف، فتسقطه صريع الأرض.

تعرج الرواية على فلسفة الحياة والموت؛ فالموت برأي الكاتبة؛ هو تحرر النفس من الجسد، فالنفس موجودة قبل ميلاد الإنسان وتملك صفة الخلود بعد الموت، كما أن لها القدرة على التحكم بالجسد.

كما كان للأميرة حكمتها في بناء المدينة الفاضلة حيث ثالوث القيم المقدسة؛ الحق والخير والجمال.

 وللكاتبة رؤيتها الخاصة في تحقق النصر إذ تقول: أن “الكثرة قد تغلب المهارة أحيانًا” ربما لهذه الفلسفة مكانها في واقعنا الحاضر عند الاتحاد فقط؛ فكما نرى تكالبت القوى الكبرى على بلادنا ذات العدد الكبير بسبب فرقتنا، فأصبحت حياتنا دمارًا وانقلبت موازين الأمور، فبعد أن كان التفوق حليفنا، أصبحنا من أضعف الأمم.

أيضًا للحرية معناها الخاص عند الكاتبة كما يتضح في صفحة ٣٤، فلا “معنى للحرية دون أن يكون لنا حق التجربة والخطأ والصواب، والاختيار الحر بين البقاء والمغادرة”

مزجت الرواية بين الواقع والخيال، فامتد السرد إلى تاريخ قبائل عريقة مضت، لتأخذنا فيما بعد إلى عالم الجن الممتزج بالواقع؛ فنعيش الأحداث معها ومع الملك شرهود؛ ملك ممالك الجن العلوية، ولا نستطيع التمييز بين زمن دخولنا بالواقع أو ولوجنا بالخيال، وندرك حينها مهارة الساردة. 

اعتمدت الروائية على خيالها الخصب في خلق بيئة للمكان وبناء حوارات بين الشخصيات؛ استطعنا من خلاله الاطلاع على حياة الرعاة في الصحراء، ورصد أعمالهم اليومية، فصرنا نعيش في المكان ونشعر ببرودة الرمال، ونرصد النجمات حتى بزوغ فجر جديد لنشهد تحول صحراء قاحلة إلى مملكة بجميع مرافقها ومؤسساتها وزراعتها وتجارتها ومصنوعاتها وبناؤووها ومهندسيها.

وكأن الكاتبة عاشت تلك الحقبة من الزمن، وهذا يعني أنها تتمتع بثقافة عالية مكنتها من غزو تلك المنطقة بكل ثقة وأريحية، فهذه المعرفة العميقة تحتاج إلى الدراسة والاجتهاد وتقمص الشخصيات ومعرفة أسرار الأمكنة بل وتاريخها لتسير عملية الوصف بهذه الدقة.

تقول في صفحة ١١٢:

“تنفس الصبح؛ فاستيقظوا على أصوات دوابهم وعنزاتهم، علا صوت رغاء الإبل، بادروا في علفها وسقيها من ماء الوادي الشحيح، تناولوا حليبًا طازجًا وتمرًا، وشدوا رحالهم نحو الواحة طلبًا للماء والكلأ”.


 لعبت الطبيعة دورها في الرواية وكأنها أحد شخوصها، فتعرفنا على الأماكن المختلفة والصحراء بأشجارها ونباتاتها وينابيعها، حيث أشجار الطلح والسدر وروائح النباتات العطرية والعشب الأخضر، والنعنع الأخضر البري، وشيح وتيريغلان والسمسم والرشاد واليانسون واليقطين وغيرهم.

الموسيقا أخذت دورها في السرد، كذلك الآلات الموسيقية الّتي تعرفنا على بعضها مثل الإمزاد والتندي.

كذلك تعرفنا على الأدوية ومواد الاستطباب التي صنعت محليًّا كمراهم الحروق المستخرجة من مسحوق قوقعات الحلازين وخليط زبدة الماعز الطازجة



 شخصيات الرواية 


لعبت الشخصيات الرئيسية دورها في سير الأحداث، كذلك الشخصيات الثانوية، إذ لم تكن هناك شخصيات مقحمة في العمل، 

وتم وصفها ضمنيًّا في السرد دون إحداث انقطاع  أو إقحام في النص.

تقول في الصفحة ١٢٠

“وما أن رفعوا الأوشحة الّتي كانت تحجب عن أعينهم النور حتى وقعت أبصارهم على رجل قد ذرف الأربعين، ليس بالطويل..إلخ


برزت المرأة قوية شامخة صنديدة في الرواية، حيث النساء كنّ مقاتلات وذوات قوة ولهن دورهن في سير الحياة وبناء المجتمع، منهن مثلًا؛ الحكيمة يثريت وجدتها توسمان وكانت مستشارة لتنهنان 


 أهم شخوص الرواية :

 الشخصية المحورية؛ تينرت، أميرة طويلة القوام ممشوقة سمهرية القد، جميلة شعرها أسود ذكية.

تاكامات وهي خادمة تينرت كذلك نارا، الملك أمادورس والد تينرت.

منيلاس الحكيم الّذي مات بعد نوبة سعال حادة، وهو أسمر، قوي البنية، عريض المنكبين، متوسط الطول، كثيف الشعر الأسود الناعم

وقور وله هيبته.

أخنوس وهو خادم تربى في القصر منذ طفولته وهو وفيّ، بنية جسده قوية، رشيق، قامته متوسطة، خمري يميل إلى السمرة، كثيف الشعر نبيل الخلق حلو الحديث.

الملكة تيفاوين أم تينرت

أخوان تينرت؛ أمناي وإيرنا

زوجة الحكيم، يثريت، طيبة الشمائل، امرأة صالحة، تطعم الجائع وتكسو الفقير، عفيفة اللسان وطيبة القلب، حكيمة عالمة، وقد استعانب بحكمتها الأميرة تينرت.

كيمع الأمير الّذي انتصرت عليه الأميرة تيرنت.   

أمياس كبير التجار

ايمستغ ابن أيور وزوجته تيتيورا التي انجبت بنتًا وأسمتها تارقا.

إغيل من أصول بربرية وهو خادم حاكم إقليم تاماست أدرار.


 المكان 


تم وصف الأماكن بدقة متناهية ضمن النص دون أي إقحام.

في الصفحة ١٤٣ تقول “وصلت السير نحو بساتين الواحة الغناء، حيث النخيل يحيط بالبساتين صفوفا مستقيمة متناسقة، وتمتد مد البصر تتخللها عيون جارية تتجمع لتصب في واد يشق الواحة نصفين، بدت لها الواحة كزمرّدة تتلألأ وسط الرمال الصفراء” 


جرت أحداث الرواية في عدة أماكن أهمها،

أرض الغزال وهي أهم حواضر بلاد مدرار ووادي زيز 

كما أنها الرابط الرئيسي بين قوافل إفريقيا السوداء وأوروبا والمشرق العربي. واحة إبليسا، التارقا، تاماسات.


تعتبر الرواية تاريخية خيالية، وهي إضافة نوعية إلى عالم الرواية ورفوف المكتبة العربية.


مقالات أخرى

رحلة معرفة وعلم وعمل

بقلم الأستاذة الدكتورة/ رضوى إبراهيم

تفاهاتي

بقلم الأديبة المصرية/ هناء سليمان

علاقة مميزة

بقلم الأديبة المصرية/ نهى عصام

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *