سفر الريح

WhatsApp Image 2024 12 26 at 19.55.08 226af200

سفر الريح

سفر الريح

رواية الكاتبة الليبية عزة رجب سمهود

مقطع حواري 

وقلت له :

–  ما رأيك أن نرقص سواء على ضوء هذه الشمعة؟                           

– ولِمَ لا يا سمر؟ ما دامت هنالك شمعة تهب قلبها من أجلنا. أي الرقصات ستختارين في ظل وجود مجلسين، وثلاث حكومات؟ وميليشيات؟ وجيش؟ 

– هذا فظيع يا عمر، لم يحصل في تاريخنا المعاصر أن تتحول دولة فعليًّا إلى رقعة شطرنج! 

– يا ه .. كم أنتِ دقيقةٌ في بعض توصيفاتك!

  نظرتُ إليه على الضوء الخفيف الذي ترسله الشمعة بكرم، رأيتُ حزنه العميق، نظرته الشاردة، دمعته الخفيفة، التي بدأت تنساب كقطار اعتاد سكة الحزن اليومية، لمست كفيه، وأسندتُ رأسي إلى كتفيه.

  بَقِيَ عمر يُحدِّق إلى الفراغ المعتم قليلًا، يبدو معبَّأً بالأسئلة أكثر مني كزوجته. ما هذا الحزن والألم الذي تغرق بلادنا فيه، وتسحبها رماله للغوص داخله؟ ما أقسى هذا الوضع الجامد على صورته منذ سنوات، وكأنه صورة مُحنَّطة لم تتغير ملامحها بعد! 

نهضتُ فجأة، وذهبت للمرآة المقابلة في الصالون البسيط، وعلى ضوء الشمعة حسَّنتُ من شكلي، وشربت كوب ماء، ثم اقتربتُ منه واقفة وقلتُ له بطريقة مسرحية: 

ــ  فكِّر أنت، في هذا الوضع الحرج الذي نحن فيه، الطريق ضائع من مسارب الضوء، البلاد سكرانة تترنح في سيرها، الناس تعاني، الدولار يرتفع، الوضع المادي حرج، الدخلاء عبثوا بالبلاد، الخونة والعملاء كثروا وجلبوا المزيد من المشكلات، إننا فوق طاولة المزاد العلني يا سيدي .. فهل من رجلٍ شريف يمنع المزاد؟ 

ردَّ عمر بطريقة أكثر مسرحية قائلًا: 

– الشرفاء كُثُر، لكن الطريق مليء باللصوص والكلاب يا سيدتي.


– إذًا سيتكاثر الذين يراهنون على بيع ليبيا.  فبأي الرقصات تقترحُ أن نبدأ يا بيللو؟ هل ستختار رقصة الديك المذبوح؟ هل ستختار الفلامنجو؟ أم تختار السلو بكل خطواته؟ أم تختار  التانجو لتختصر كل شيء؟ 


كان بيللو بمحاذاتي، وقد نهض يمسح عينيه من الدموع ..أحاط خصري  قائلًا: 

– هذه إناث الشهية التي أعرفُها، تسألني أيَّ الرقصات سأرقصُ؟ تعرف أنها تسألني السؤال السهل الممتنع؟ 

درتُ معه خطوة أمامًا: 

– لِمَ هو سهل ممتنع يا بيــللو؟ 

رأيت ابتسامته:

–  لأنكِ وضعت الاحتمالات القاسية، ونسيتِ الخيار الجميل؟

ابتسمتُ له: 

– وما هو؟

–  زوربــا ..نرقص رقصة زوربا، يا فتاتي،  لولا الأمل ما رقص زوربا !!


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *