عطاء مؤذي

تخيل بأنك بعد يوم شاق من العمل اصابك الجوع فذهبت إلى أحد المطاعم لتطلب لنفسك ساندوتش ليسد جوعك و قد أنفقت كل ما تملك في جيبك على تلك الوجبة، و بينما أنت تجلس لتبدأ في تناولها و قد مزقك الجوع يفاجئك أحد المشردين وقد بدى عليه الجوع أيضاً و هو يشير إلى فمه لكي تطعمه أو تعطيه ما يسد رمقه، فتختار انت مشاركته نصف ما تملك من الطعام ليأخذه منك على الفور و يبتلعه في قضمة واحدة بنهم و أنت تنظر له بتعجب و دهشة و ما إن انتهى من نصيبه حتى رأيته يحملق بما تحمل من باقي وجبتك بشراهة فتقدم ما تبقى لديك محاولا إنقاذه من وحش الجوع دون تفكير، و ما هي سوى لحظات حتى انتهى من تناول وجبتك كاملة ثم يتركك و يغادر دون شكر أو نظرة امتنان ووداع. لتتفاجئ هنا يا عزيزي بمواجهتك لوحش الجوع بمفردك دون أن يهتم لأمرك أحد، لا مال ولا طعام فقط أنت و الوحش.

و هذا بالضبط ما يحدث مع كثير منا في العديد من العلاقات التي تجمعنا مع أشخاص يريدون الأخذ فقط، بينما نحن نجهل فهم العطاء الحقيقي دون الوقوع في الأذى، ذلك العطاء الذي يتركك مضرور من خلفهم و تحمل بداخك ندوب تنفق من عمرك لتعالجها. فكم من أشخاص من حولنا حاولنا مساعدتهم بشتى الطرق و انفقنا من أجلهم وقتاً ومجهودًا لكي نساعدهم و في نهاية المطاف غادروا بعد أن وصلوا لمبتغاهم دون عودة، و ربما آخرين يعودوا حين تفرغ شحنتهم و طاقتهم ليستعيدوا ما فقدوا منا ثم يعاودوا الرحيل و كأننا خلقنا محطة وقود لا أكثر، لتجد نفسك مع مرور الوقت تحترق و تنفق و تهدر عمرك فقط لأجلهم بقناعة أنك تعطي وتساعد و في الحقيقة أنت تدمر ذاتك لا أكثر ، فلا أحد منهم يهتم لرمادك ولا وقتك، و إن كان هذا مفهومك للعطاء فأنت مخطئ ، فالعطاء هو شعور جيد يجب أن يترك في روحك السلام و الرضا و ليس العكس، فلا عطاء يسحب من حياتك الطمأنينة و لا عطاء يضرك بأي شكل، ففي تلك اللحظة لا يسمى عطاء بل استغلال. 

لذلك يجب أن تدرك جيداً تلك الشعرة الرفيعة التي تفصل بينهم و التي ستنقذك من علاقات سلبية و أشخاص مستغلين لا يهتمون بأمرك بل كل ما يشغلهم هو ما سيحصلون عليه منك، و اجعل عطائك دوماً بوعي و إدراك لحدودك و حدود الآخرين من حولك.