قبر الإسكندر الأكبر بين التاريخ و الأسطورة( الجزء الأول )
بقلم / هاري تزالاس- الكاتب اليوناني السكندري
ترجمة / غادة جاد
– Copyright © Hellenic Electronic Center and Harry E. Tzalas (author) 1998. All rights reserved.
توفي الإسكندر الأكبر في بابل في صيف عام ٣٢٣ قبل الميلاد. لم تقتصر إنجازاته، خلال فترة حكمه القصيرة، على غزو الجزء الأكبر من العالم المعروف آنذاك فحسب، بل أنه أحدث تغييرات كبيرة في المناطق التابعة للإمبراطورية التي بناها.
أصبحت حياة الإسكندر و مآثره ، وكذلك موته ودفنه، أسطورة تروى للأجيال اللاحقة، تتجاوز بكثير حدود الأراضي التي غزاها ؛ فقد خلدت ذكراه الأساطير من آيسلندا إلى الصين، ولا تزال بعض قبائل أفغانستان تخلد ذكره كأحد الأسلاف أو راعٍ لهم . تناقلت الألسنة أسطورة الإسكندر حتى عصر النهضة، و كادت تكون المصادر التاريخية الموثوقة غير موجودة . اختلفت تفاصيل الأسطورة بشكل كبير من منطقة إلى أخرى و جرى تحريفها أو دمجها مع عناصر محلية تقليدية خاصة بالثقافات الأخرى المختلفة.
بدأت أسطورة الإسكندر في الانتشار عقب وفاته مباشرة حتى أنها طغت على الحقائق التاريخية المتعلقة بحياته. صار الإسكندر شخصية أسطورية، و موضوعًا للأغاني الشعبية والملاحم والنوادر، حتى اسمه خضع للتحريف ، و رأت كل أمة أو قبيلة شخصية الإسكندر وفقًا لأهوائها أو الغاية من استخدام شخصيته كرمز، فصار بطلًا محليًا ، حتى الفرس، الذين غزا الإسكندر إمبراطوريتهم، جعلوا منه بطلًا فارسيًا وابنًا لداريوس.
يبدو أن أسطورة الإسكندر نشأت في مصر، وكُتبت باللغة اليونانية ونُسبت زورًا إلى كاليسثينيس ، لذا بقيت معروفة بيسودو-كاليسثينيس. تمت ترجمة أسطورة الإسكندر الأكبر وتقديمها في نسخ و لغات كثيرة وانتشرت في العالمين الشرقي والغربي.
لم يكن للأسطورة سوى القليل من القواسم المشتركة مع القصة الحقيقية للإسكندر، حيث : جعل البيزنطيون من الإسكندر قديسًا بينما ربط المسلمون بين أعماله و بين بعض الإشارات الواردة في القرآن الكريم.
و قد استوحت قصة الإسكندر الرومانسية الكثير من الكتابات النثرية والأبيات الشعرية التي جاءت باللغات اليونانية، و اللاتينية، و السريانية،و الأرمنية، والفارسية، والعربية، و العبرية، و القبطية،و الإثيوبية، و الإسبانية وعدد لا يحصى من اللغات واللهجات الأخرى. و في اللغة الفرنسية، تُعرف قصته باسم “la légende” أو “la Romance d’Alexandre” والإسكندر هو أحد الفرسان الشجعان في عهد شارلمان، و تعرف في اللغة الإنجليزية باسم “the Romance of Alexander”، وفي اللغة الألمانية “Alexandersage”.
نقل البيزنطيون الأسطورة إلى السلاف، وتوجد رومانسية الإسكندر في فولكلور الصرب، و الكروات،و التشيك، والبولنديين وغيرهم.
ومع ذلك، يقتصر هذا البحث على التاريخ والأسطورة المتعلقين بـ “المثوى الأخير” للإسكندر، حيث ضريحه، الذي كانت فخامته و استعراضه للثروة مصدر إعجاب المؤرخين والمسافرين لعدة قرون، ولا يزال يثير مخيلة العامة.
مع مرور الوقت، اكتنف دفن ابن فيليب حجاب كثيف من الغموض ، وأصبح من الصعب تمييز الحقائق التاريخية من الأساطير. نُسجت الأسطورة لأول مرة في العصرين اليوناني والروماني، واستمرت مع المزيد من الإضافات في الفترة المسيحية وبعد الفتح العربي. يمكن القول إن أسطورة قبر الإسكندر لا تزال حاضرة في الإسكندرية اليوم.
و قد صار كل ما يتعلق بدفن الإسكندر موضع جدل ، ومع ذلك، علينا أن نقبل قصة ديودوروس الصقلي كقصة موثوقة، والتي تقول إن الجسد تم تحنيطه وبعد الكثير من الاضطرابات و التأخير لمدة عامين، بدأ موكب الجنازة الرحلة الطويلة إلى مصر. تم تكليف فيليب أرهيدايوس، الابن المختل لفيليب الثاني ملك مقدونيا، الذي اختاره الجيش المقدوني في بابل ليكون خليفة الإسكندر، بجميع الترتيبات.
ترى هل كانت الوجهة المقصودة هي واحة سيوة، حيث أكد وحي آمون قبل سنوات نسبه الإلهي؟ أم كانت هذه مجرد خدعة من بطليموس لاجوس (٢٨٣- ٣٣٧) الذي أراد دفن جسد الفاتح في الإسكندرية، من أجل تحقيق نبوءة أرستاندر، العراف المفضل لدى الإسكندر، الذي تنبأ بأن “البلد الذي يُدفن فيه جسده سيكون الأكثر ازدهارًا في العالم”؟
ومع ذلك، يُذكر أنه عندما وصل موكب الجنازة إلى سوريا، أرسل بيرديكاس جيشًا لاعتراض الرفات الثمينة وتحويل الموكب إلى إيجاي في مقدونيا.
وقعت معركة ومن الممكن جدًا أن يكون التابوت المصنوع من الرخام الأبيض البينتلي الذي وُجد في صيدا عام ١٨٨٦ ،والذي نُسب في البداية إلى الإسكندر، أنه خاص بإحدى الشخصيات المهمة التي قُتلت في الاشتباك. ربما كان يحتوي على جثة بطليموس، و هذا التابوت معروض الآن في المتحف الأثري في القسطنطينية.
أخيرًا، بحسب رواية ديودوروس الصقلي ، جُرت عربة الجنازة، وهي نصب تذكاري بعجلات وُضع عليه جثمان البطل، إلى الإسكندرية عبر منف. و في منتصف القرن الثامن عشر، حاول الفرنسي كومب دي كايلوس إعادة بناء الموكب في رسومات، استنادًا إلى رواية ديودوروس الصقلي. و أصبحت حياة الإسكندر الأكبر وأعماله، وكذلك موته ودفنه، أسطورة للأجيال القادمة، تتجاوز بكثير الأراضي التي غزاها. و قد خلدت ذكراه الأساطير المنسوجة حوله من آيسلندا إلى الصين، ولا تزال بعض القبائل في أفغانستان تنظر إليه كأحد الأسلاف و الحماة.
ذكر سترابون، وبلوتارخوس، وباوزانياس، وغيرهم من المؤلفين القدماء أن جثمان الإسكندر تم وضعه في الإسكندرية في ضريح يُدعى “سوما” أو “سيما”، والتي تعني في اليونانية “جسد”أو “دفن”.و قد كان هناك تابوت ذهبي ومبنى فخم يعرض ثروة عظيمة مناسبين لاستقبال رفات بطل مؤله، والذي وحد في حياته العالمين اليوناني والشرقي.
هل يمكننا تحديد موقع سوما على خريطة الإسكندرية القديمة؟ يقترح بعض علماء الآثار موقعه عند تقاطع شارعي الحرية (كانوبيك) والنبي دانيال – الشارعين القديمين L1 و R5 وفقًا لخطة الفلكي للمدينة. يجب التأكيد، مع ذلك، على أن الطبوغرافيا للإسكندرية البطلمية والرومانية لا تزال غير معروفة بشكل كامل حتى اليوم. تتطابق المدينة الحديثة التي بنيت في أوائل القرن التاسع عشر على يد محمد علي مع المدينة القديمة التي تقع تحتها. حتى عام ١٨٦٥ ، عندما أمر الخديوي إسماعيل محمود بيه الفلكي بوضع خطة للمدينة القديمة (لتلبية طلب من نابليون الثالث)، لم تكن هناك طبوغرافيا معروفة لمدينة البطالمة، ولم يتم إجراء أي حفر أثري موثوق بها. اكتملت الخريطة في عام ١٨٦٦، وأظهرت أيضًا بقايا التحصينات الضخمة للمدينة. اختفت هذه الجدران تمامًا مع أعمال التحضر التي بدأت بعد عام ١٨٨٢.
لاحقًا، كشفت الحفريات المتفرقة التي قام بها نيروتسوس، وبوتي، وهوغارث، ونواك، وبريتشيا وغيرهم عن أجزاء من الشوارع القديمة وبقايا المباني، ولكن لم يتم إجراء أي حفريات منهجية في وسط المدينة. اضطرت هذه الحفريات إلى الانتظار حتى عام ١٩٦٠، عندما بدأت الحفريات البولندية. تركزت هذه الحفريات في وحول تلة كوم الدكة. اكتشفوا الحي السكني اليوناني والروماني في الشارع القديم R4، والحي العام شرقًا مع المسرح الروماني، ما يسمى بشارع المسرح، صف من القاعات العامة، حمام إمبراطوري، قناة مائية، صهريج كبير (قلعة)، مقبرتين عربيتين في المستويات العليا ( فيما بين القرون السابع حتى القرن الثالث عشر )، منازل إسلامية مبكرة، ورش عمل وما إلى ذلك. ومع ذلك، لا تزال الخطط الحديثة لطبوغرافيا الإسكندرية القديمة تعتمد بشكل كبير على خطة الفلكي.
حدد محمود الفلكي موقع قبر الإسكندر الأكبر في وسط المدينة، عند تقاطع شارع الكانوبيك (شارع الحرية) والشارع القديم R5، بالقرب من مسجد النبي دانيال. منذ ذلك الحين، تم تحديد موقع قبر الإسكندر الأكبر في نفس المكان من قبل بعض العلماء الآخرين مثل نيروتسوس، وكايبرت، وزيجلين. ومع ذلك، استبعدت الحفريات الحديثة التي أجريت حول المسجد ومحيطه احتمال وجود مقبرة بطلمية في هذه المنطقة.
اقترح أدرياني موقع سوما في الجزء الشمالي الشرقي من المدينة القديمة، والذي يقع أقرب بكثير إلى الربع الملكي. تشير بقايا قبر تل قديم مصنوع من الألباستر، الموجود في المقبرة اللاتينية الحالية، على الأقل إلى أنه قريب من مقابر الغرف المقدونية، ويشير إلى منطقة المقبرة البطلمية للطبقة العليا، أو حتى الملكية.
Facebook
X-twitter
Youtube
Whatsapp