مستحضرات التجميل والعطور في مصر القديمة

صورة واتساب بتاريخ 1446 10 26 في 15.17.58 0224e10c 1

مستحضرات التجميل والعطور في مصر القديمة: الجمال بين الطقس والدلالة الاجتماعية

تقديم الدكتور / حسين عبدالبصير- عالم الآثار المصرية و مدير متحف الآثار بمكتبة الإسكندرية 

 
WhatsApp Image 2025 02 27 at 12.00.46 3124dbeb


احتلت مستحضرات التجميل والعطور مكانة بارزة في حياة المصريين القدماء، لم تقتصر على أغراض الزينة الجمالية، بل تعدتها لتؤدي أدوارًا دينية وروحية واجتماعية. فالجمال عند المصري لم يكن مظهرًا سطحيًا بل تعبيرًا عن الكمال الإلهي، ووسيلة لدرء الأرواح الشريرة، وتأكيد على الانتماء الطبقي والمكانة الاجتماعية.
أولاً: البعد الديني والروحي لمستحضرات التجميل
اعتبر المصري القديم أن العطور والتجميل جزء من الطقوس المقدسة، وكان الكهنة والكاهنات يستخدمون الزيوت المعطرة والبخور أثناء الطقوس، كجزء لا يتجزأ من التواصل مع الآلهة. وقد وردت نصوص دينية في كتاب الموتى تؤكد أهمية الطيب والزيوت المقدسة في طقوس التطهير والتحنيط. فمثلاً، كان استخدام زيت اللبان مرتبطًا بتطهير الجسد الروحي، بينما كان الكحل يوضع كوسيلة لحماية العين من الشر والحسد، وليس فقط لتحسين المظهر.
ثانيًا: المواد المستخدمة في صناعة مستحضرات التجميل والعطور
كان المصريون القدماء يتمتعون بخبرة واسعة في استخراج وتحضير مستحضرات التجميل من الطبيعة. ومن أبرز المواد المستخدمة:
• الكحل (الزنجفر والجالينا): استخدم لتحديد العيون، واعتُقد أنه يقي من الالتهابات الشمسية والبكتيرية.
• الحناء: لصبغ الشعر والأظافر، وكانت رمزًا للنقاء.
• المراهم والزيوت: مثل زيت الخروع والزيتون واللوتس واللبان، واستخدمت لترطيب البشرة.
• البخور: مثل المر والقرفة والكندر، وكان جزءًا من الطقوس المقدسة.
• الألوان الطبيعية: مثل أكسيد الحديد الأحمر لأحمر الخدود، والمالاكيت الأخضر لظل العيون.
قد وُجدت أدوات التجميل في مقابر النساء، مثل أواني المرمر لحفظ العطور، والعصيان الخشبية لتطبيق الكحل، ما يدل على أهميتها في الحياة وبعد الموت.
ثالثًا: دلالة مستحضرات التجميل على المكانة الاجتماعية
كان استخدام مستحضرات التجميل في مصر القديمة يدل على الرقي الاجتماعي والثروة. فالطبقات العليا، كالنبلاء وأفراد العائلة المالكة، امتلكوا مستحضرات تجميل فاخرة في عبوات مزينة من العاج والذهب والمرمر. أما الطبقات المتوسطة والدنيا، فاستخدموا موادًا أبسط لكنها تؤدي نفس الوظيفة.
كما أن بعض الألوان كانت حكرًا على طبقة معينة، فمثلًا كان الأزرق النيلي يعكس التقديس والسلطة، وكان نادرًا وباهظ الثمن. إضافة إلى ذلك، ارتبط استخدام العطور بالجاذبية والرقي، حيث كانت المرأة المتعطرة تعتبر نموذجًا للجمال المثالي، كما في وصف الملكة نفرتيتي.
رابعًا: الجمال كقيمة فلسفية واجتماعية
في العقيدة المصرية القديمة، كان الجمال مرتبطًا بمفاهيم الماعت (الحق، والنظام، والجمال)، وكان يُعتقد أن الجمال يقرب الإنسان من عالم الآلهة. ولذا، لم يكن الاهتمام بالمظهر أمرًا ترفيهيًا بل ضرورة روحية واجتماعية. النساء والرجال على السواء استخدموا مستحضرات التجميل، في دلالة على المساواة الجمالية.
تُظهر لنا دراسة مستحضرات التجميل والعطور في مصر القديمة بُعدًا حضاريًا وإنسانيًا عميقًا، يكشف عن مدى التقدم العلمي والجمالي الذي بلغه المصري القديم. فقد كانت أدوات الزينة ليست فقط وسيلة للتجميل، بل رموزًا للهوية، والتقوى، والانتماء الطبقي، ونافذة على الروح.

مقالات أخرى

رحلة معرفة وعلم وعمل

بقلم الأستاذة الدكتورة/ رضوى إبراهيم

تفاهاتي

بقلم الأديبة المصرية/ هناء سليمان

علاقة مميزة

بقلم الأديبة المصرية/ نهى عصام

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *