
هذا جدي : حسن باشا الإسكندراني- أبو البحرية المصرية ( الجزء ١)
تقديم الأستاذة/ يسرية الغندور- كبير باحثين بدرجة مدير عام بوزارة السياحة والآثار- مصر

سافر حسن الاسكندراني في أوائل شهر سبتمبر سنة ١٨١١ في معيَّة محمد علي باشا إلى السويس وشاهد فيها نواة الأسطول المصري مبحرًا من ثغره لنقل الرجال والعتاد إلى جزيرة العرب أدرك حسن — وهو من أبناء السواحل — أن أمواج البحر تناديه، فوطَّن نفسه على الدخول في البحرية! ولكن آماله لم يبدُ له تحققها إلا بعد ست سنوات!
ففي خلال سنة ١٨١٧١ أوفد محمد علي باشا في بعثة علمية إلى فرنسا حسنًا (الذي لُقِّب بالإسكندراني) ومحمد شنن ومحمود نامي بمعية المسيو دروفيتي Drovetti قنصل فرنسا بمصر وتحت إشرافه.٢ وما إن قضى الطلبة المصريون عامين كاملين في الدرس والتحصيل لإتقان اللغة الفرنسية حتى آثر ثلاثتهم التخصص في العلوم البحرية، فانخرطوا في الكلية البحرية الفرنسية بتولون.٣ وقد كان طلبة البحرية المصريون — وعلى الأخص حسن الإسكندراني — طوال مدة إقامتهم في تولون موضع عناية خاصَّة من المسيو دوبيريه Duperré ٤ مما كان له أحسن الوقع عند محمد علي باشا، فحفظ له الجميل ولم ينسه على مرِّ الأيام. تذكَّر هذه اللفتة الكريمة في سنة ١٨٤١ — أي بعد أربع وعشرين سنة — فأقام مساء يوم ٢٨ مارس سنة ١٨٤١ في قصره مأدبة عشاء بمناسبة سفر المسيو كوشليه Cochelet قنصل فرنسا دعا إليها معه خلفه المسيو دي روهان شابو De Rohan Chabot وقائد السفينتين الفرنسيتين الراسيتين وقتئذٍ في ميناء الإسكندرية «أشيرون L’Acheron» و«أنبوسكاد L’Embuscade». وقد تبسط محمد علي باشا في الحديث مع مدعويه في أثناء تناول العشاء، وأثنى الثناء المستطاب على الأميرال دوبيريه الذي كان وقتئذٍ وزير بحرية فرنسا والذي شمل بعنايته طلب البحرية المصرية لأربع وعشرين سنة خلت.
وعلى إثر تخرج الطلبة المصريين من الكلية البحرية الفرنسية قاموا بثلاث رحلات علمية على سفن فرنسية، فتدربوا على قيادتها وزاروا أقطارًا وأمصارًا نائية دوَّن حسن الإسكندراني عنها «يوميات»، وصف فيها بلاد البرازيل ورأس هورن بأمريكا الجنوبية وبلاد النرويج والسويد في شمالي أوروبا، في حين تناولت ريشة محمود نامي بالرسم المناظر الرائعة التي استوقفت أنظارهم.وفي أوائل سنة ١٨٢٥ عاد حسن الإسكندراني — برفقة زميليه — من فرنسا إلى مصر، وكان عمره وقتئذٍ خمسًا وثلاثين سنة تقريبًا، فعُيِّنَ برتبة ملازم بحري وأُسندَت إليه قيادة إحدى الأباريق التابعة للأسطول المصري الثالث الذي اشترك في خلال شهر أبريل سنة ١٨٢٥ في معركة سبادا Spada البحرية. وقد تولى بعد ذلك قيادة السفن البحرية التي عهدت إليها حراسة النقالات التي كانت تحمل الجند والذخائر من القطر المصري إلى شبه جزيرة المورة لإمداد الجيش المصري بها. وقد اشتبك حسن الإسكندراني في أثناء تأدية هذه المهمة مع مراكب اليونانيين التي كان يقودها ميوليس Miaulis، فأغرق منها حراقتين وأسر غولت على مقربة من شواطئ جزيرة كريت واقتادها إلى ثغر الإسكندرية. وقد أهدى إليه محمد علي باشا بهذه المناسبة دارًا في حي رأس التين بجهة أبو وردة بالقرب من زاوية سيِّدي تمراز (المعروف قديمًا بمسجد البحارة)، كما أهدى إليه ساعة من الذهب وشالًا من الكشمير.