
هكذا شاءت الأقدار أن أُعيد الطفل لحضن أمه بعد ألفي عام
بقلم الأستاذة/ يسرية الغندور- كبير باحثين بدرجة مدير عام بوزارة السياحة والآثار -مصر

في حدث عظيم في يوم الأحد الموافق ٢٠ أبريل ٢٠٢٥ بالمتحف البحري. عاد الطفل حربوقراط الى أحضان أمه إيزيس وسوف أحكي لكم القصة :
عام ٢٠٠٥ ،جمعتني الصدفة الجميلة بأحد أمراء أسرة محمد علي، وهو الأمير حسين طوسون وهو رجل يبلغ من العمر الخامسة والسبعين، قضى الأمير حسين طوسون حياته متنقلًا بين لبنان موطن زوجته اللبنانية وفرنسا مقر إقامته .تمتع هذا الرجل بوطنية رائعة وهذا ليس عليه بغريب، فهو ابن الأمير عمر طوسون أعظم أمراء أسرة محمد علي الذى اشتهر بوطنيته والوقوف مع الحركات السياسية الوطنية آنذاك.
وكان رجل محبًا للعلم والثقافة وله العديد من المؤلفات الجغرافية والعسكرية.
وقد حكى لى الأمير حسين طوسون بأنه وأثناء قيامه بزيارة قصر والده الأميرة عمر طوسون المطل على ترعة المحمودية بمنطقة الحضرة ، حيث كان هذا الموقع انذاك متميز بالإسكندرية حيث القصور مثل قصر انطونيادس وحدائق النزهة،و حكى لى كيف كان والده يهتم بالآثار الغارقه بحكم وقوع جزء كبير من أملاكه بمنطقة ابو قير البحري ومنطقة طوسون التى سميت على اسمه ومنطقة المعمورة والتى كانت تسمى المخروبة في الخرائط القديمة وقام الأمير عمر طوسون بتغير الاسم من المخروبة إلى المعمورة على نحو ما يعرفها أهالى الإسكندرية الان.
وفي صيف عام ١٩٣٣ وأثناء تحليق أحد الطيارين الإنجليز فوق مياة خليج أبو قير البحري لاحظ وجود بقايا مبانى غارقة بالمياه. وعلى الفور قام بإبلاغ الأمير بهذا المشهد الغريب الذى عثر عليه
وبالفعل اهتم الأمير عمر طوسون بهذا الاكتشاف وكلف عدد من الغواصين الأجانب حيث عثروا على بقايا رأس تمثال للإسكندر الأكبر من الرخام وهي معروضة الآن بالمتحف اليونانى الرومانى
وكذا تمثال لايزيس من الرخام وهي في وضع الجلوس وكان ذلك عام ١٩٣٣ من القرن الماضي . وهذا التمثال ظل موجودًا بحديقة قصر الأمير حتى نقل في الثمانينات من القرن الماضي إلى المتحف البحرى باستانلي. وظلت تجلس بانتظار ابنها في الآثار الغارقه في عام ٢٠٠١ وأثناء عمل بعثة المعهد الأوروبي للآثار البحرية بخليج ابوقير البحري، عثر على رأس تمثال لحربوقراط من الرخام وتم إيداعه بمخازن الآثار الغارقة ،وفي عام ٢٠٠٥ وأثناء قيامي بتجهيز معرض الآثار الغارقة والذى كان مزمع إقامته في مدينة برلين بجمهورية ألمانيا حيث وقع الاختيار ضمن القطع التي ستعرض بالمعرض تمثال إيزيس الذى تحدثنا عنه منذ قليل وكذلك تمثال حربوقراط صغير الحجم أيضًا من الرخام ،ولاحظت أثناء أعمال التجهيز وجود رابط بين تمثال ايزيس وهذا التمثال الصغير الذى عثر عليه عام ٢٠٠١، ومن باب الفضول الذى أثير بداخلي والعديد من الأسئلة هل هناك ربط بين إيزيس وهذا الصغير حربوقراط
فما كان مني إلا أن حملت التمثال الصغير ووضعته على الجزء المكسور المفقود من إيزيس بحديقه المتحف البحري وهو مجاور للمخزن ،وكانت المفاجأة الكبري أن هذا الصغير هو جزء من تمثال إيزيس الأم وبالفعل أثناء عرض التمثال بالمعرض تم الاتفاق مع الجهة المنظمة على عودة التمثال حربوقراط الطفل فى أحضان أمه إيزيس بنفس الوضعية التى كان عليه. وانتهى المعرض وعاد تمثال إيزيس إلى المتحف البحري عهدة لديهم وعاد حربوقراط عهدة بمخزن الآثار الغارقه وظلوا في حاله فراق مرة أخرى.
حتى طرحت الفكرة علي السيد / عبدالحميد عبدالمجيد ، مدير عام الآثار الغارقه بضرورة عودة تمثال الطفل حربوقراط إلى أحضان أمه إيزيس.
وبعد اتخاذ الإجراءات القانونية و استخراج الموافقات تم هذا الأسبوع فقط الجمع بين الطفل وأمه بعد فراق دام أكثر من ألفين عام!!!
كان هذا الحدث العظيم يوم الأحد الموافق ٢٠ أبريل ٢٠٢٥ بالمتحف البحري ستانلي الإسكندرية، ولا يزال لدينا من حكاوي الإسكندرية الجميلة المزيد.