
“وأوفوا بالعهد”
بقلم الأستاذة الدكتورة/ رضوى إبراهيم

ليس من السهل تصور أن تسير حياتنا بشكل متزن وهادىء بدون الوفاء بالعهد ، فالوفاء بالعهد يعتبر من الاستراتيجيات القوية للمحافظة على ارتباطك بمن تحب بصورة دائمة. قد نرتكب الكثير من الأخطاء ، ولكن إذا أوفيت بعهودك ، فسوف يعود عليك ذلك بصورة طيبة للغاية فى تحسين علاقاتك ، وفى المصداقية التى سيعرف الآخرون تمتعك بها . ومن ناحية أخرى ، إذا لم تلتزم بعهودك ، فإن من حولك – وحتى عائلتك – سوف يأخذون كلامك على غير محمل الجد ، بل وأسوء من ذلك ، أنهم لن يثقوا بك مطلقًا .
ومن البديهي أنه لا يوجد إنسان كامل ، وستأتي أوقات لن تستطيع فيها أن تحافظ على عهودك لأسباب عديدة – فقد تنساها أو قد تضطر إلى إغفالها نتيجة ظهور أمر جديد ملح ، مثلا . ولا يمثل ذلك مشكلة فى معظم الأحيان ، حيث إن الوفاء بالعهود ليس مسألة وقتية بل عملية مستمرة على مدار حياة الإنسان . وبمعنى آخر ، فإن هدفك ليس أن تسعى الى الكمال ، بل أن تحاول المحافظة على أكبر قدر ممكن من عهودك .
منذ وقت ليس بالبعيد ، وافقت على حضور حفل التخرج الخاص بابنتى بجامعتها ، ولكن بعد مرور أسبوعين أتيحت لى فرصة الحضور فى إحدى الندوات العلمية لمناقشة بحث قمت بنشره ، فى مدينة تبعد كثيرا عن الجامعة التى بها حفلة التخرج التى ستشارك فيها أبنتى ، وبعد أن درست جوانب الموقف جيدا قررت حضور الندوة العلمية ، وقد أصيبت ابنتى بخيبة أمل شديدة نتيجةً لذلك . إلا أننى شعرت بالراحة كأم تحسن تربية اولادها ، وعندما التقينا بعد حفلة التخرج، الذي لم أتمكن من حضورع ،قالت لي ابنتي : ” مفيش مشكلة يا ماما ، فهذه أول حفلة تخرج لم تحضريها معي وأعلم جيدا انك ستحاولى ان تكوني معى فى المرات القادمة ” . وهنا قد لا أدعي بأن سجل أعمالى كاملًا دائما ، إلا أنه كان على صورة طيبة ومعقولة الى حد ما . لقد كانت ابنتي تعلم عندما أخبرتها برغبتى فى حضور حفلة التخرج ، وأن كلماتي كانت نابعة من القلب وصادقة . وكانت تعلم أننى أهتم بعهودى ، وأننى أحاول جاهدة أن أحافظ عليها . وابنتى ، كغيرها من الناس ، لا تتوقع الكمال من أحد ، فكل ما هنالك أن يحاول المرء بإخلاص لأن يكون صادقًا فى وعوده ، وأن يبذل كل ما فى وسعه واستطاعته من أجل المحافظة على ذلك .
من المهم كذلك ، أن تحافظ على ما تعهدت به ضمنيًا . فعلى سبيل المثال ، إن أخبرت صديقك ” بأنك سوف تتصل به غدًا ، فعليك أن تبذل قصارى جهدك لتقوم بذلك . ففى كثير من الأحيان ، ما نعد الآخرين بأشياء – نقدم وعودًا ضمنية – لأن ذلك يسهل من الأمور ، أو نشعر شخصًا ما بإن له أهميته ، إلا أننا نفشل فى الوفاء بهذه العهود ، وبهذا ، نقضى على الأثر الإيجابى لنوايانا . فقد نقول : ” سوف أمر عليك بعد الظهر” . أو ” سوف أحضر إليك قبل حلول الساعة السادسة ” . ولكننا لا نفي بذلك مرارًا وتكرارًا . ثم نحاول تبرير عدم الوفاء بعهودنا بإن نقول ” لقد حاولت ، إلا أننى كنت مشغولًا جدًا ” ، إلاأن هذا لن يهم أو يواسي من قدمت له الوعد .
وقد وجدت من خلال التعامل مع الآخرين أن عدم الوعد في المقام الأول أفضل بكثير من عدم الوفاء به ، حتى إن كانت لديك الرغبة فى تقديم هذا . إن لم تكن على ثقة تامة من أنك ستقدم بالفعل شيئًا ما لشخص ما ، فلا تعده بذلك فى المقام الأول ، بل فاجئه بفعله إن استطعت . وإن لم تكن على يقين من أنك ستتصل به ، فلا تعده بذلك ، وهلم جرا ..
إن الوفاء بعهودنا يمكننا من القيام بدورنا فى مساعدة من نحب على تقليل انتقادهم لنا الى أقل درجة ممكنة . ونحن بذلك ، نعلمهم أن بعض الناس يستحقون الثقة بهم . وسوف تتفاجئ بقدر ما يكنه لك الغير من تقدير واحترام حين تفي بعهودك ، وبهذا ستحسن من حياة أسرتك وحياة من حولك .