
ورحلت...
بقلم الإعلامية/ رانيا التوني

كانت تفتقد تلك اللحظات الحميمة بينها وبينه، دفء هذا الجسد الساكن بهدوء شديد بجوارها. كانت تشعر أنها تمتلك كل الدنيا في هذا الحضن المطمئن شديد السكون…وسكنت.
كانت كلماته تسكت الكثير من تساؤلاتها وأحيانًا تثير الكثير من التساؤلات، لكن في النهاية كانت قصته تنتصر رغم ركاكتها وضعفها، ولكن قلبها كان يرغب في التصديق… وصدقت.
كان يغلفها الصمت، كانت شديدة السكون، لم نسمع منها غير بعض همهمات تتخلل بكاءها الساكت. غضبها كان في منتهى السكوت… وسكتت.
كانت كل إجاباتها هادئة ومنطقية، كل الأسئلة التي خطرت لها كانت تحفظ إجاباتها وترددها. كادت أن تقنعها الإجابات… واقتنعت.
كانت ترى قصتها أسطورة أو في طريقها لتكون أسطورة، واكتشفت أن تصديقها له كان هو الأسطورة، وتسامحها منتهى البطولة مع فارس بينه وبين النبل الكثير… وتسامحت.
الكثير من الأصدقاء كانوا حقيقيين والبعض لا، التفوا حولها وسمعت الكثير من العبارات القاسية التي وصفت حقيقته. قابلت منهم التجويد في صفات بعضها كانت له والبعض إرضاءً لها، لكنها تعرف أنها كانت أقرب من كل هؤلاء وأدركت أنها بدلت مقعدها معهم… وجلست.
راهنت وخسرت الرهان بمنتهى الحرفية منها وبمنتهى الالتزام بقواعد لعبة خالف هو كل قواعدها… ورضيت.
نظر إليها القريب والبعيد بنظرات أكدت لها ألف مرة صحة كل من قال لها ابتعدي قدر المستطاع… واقتربت.
كانت تنتابها بالليل نوبات من البكاء الهستيري تنتهي بكلمات كثيرة متلاحقة غير مفهومة ومجموعة عبارات متتالية تعد فيها نفسها أن الله نصير لها وسند… وغفت.
نصحها البعض بالابتعاد عن كل ما هو مألوف ومعتاد وكل العادات الخاصة بهم، وفعلت. ذهبت إلى أبعد نقطة استطاعت الذهاب إليها، رغم أنها وجدته هناك داخلها لكنها… ذهبت.
قالوا لها لا تخافي، إن الانتقام سيشفي هذا الوجع ومعه يختفي الألم. فكرت ووجدت أنها لا ترغب في انتقام، هي ترغب في استرداد حقها… لم يحدث حتى الآن.
قالوا أمثالًا تحمل تصبيرًا وتحث على التسكين ولم يذكروا الطريق لها… واستمتعت.
أبكت من حولها كثيرًا بقدرتها على الحياة والحركة وهم يعلمون بموتها…وماتت.
شغلت نفسها بالتفكير في كونه مازال يحيى وأرضاها تمامًا هذا التفسير، وكان سببًا أحيانًا لتتوقف عن البكاء لاسيما عندما تشعر برأسها يكاد ينفجر من كونه هناك… وسيظل هناك.
قالوا في حقه صفات لم تنكرها، كانت تسمع وتسمع ،لكنها الوحيدة التي كانت قد رأت تلك النقطة المضيئة التي حرقتها في النهاية… واحترقت.
كانت في الحقيقة تنتظر الحقيقة التي لا تأتي أبدًا، كان كل ما يقوله حقيقة… كان هو بالنسبة لها الحقيقة حتى ولو كانت زائفة.
كانت تنتظر اللا شيء، اللا فعل، الأحداث البعيدة كل البُعد عن الفعل، كانت دائمًا رد الفعل.
كانت تقف هناك على حافة دائرة الحياة تنظر إليها من الخارج، تشاهد كل هذه الوجوه الملونة بألوان صارخة منفرة. كانت تقف وحيدة، غريبة، تائهة، تنتظر من يمسك بها. كانت بعيدة تمامًا… ما زالت تقف هناك وحيدة.
كانت تحتاج فقط إلى من يأخذ بيدها ويربت على كتفها محتضنًا، مؤكدًا لها أن الدنيا بخير وأنها في أمان وأن كل شيء سيكون على ما يرام… ولم يظهر أحد.
كانت تفكر كثيرًا فيما فعلت وما أصابها وكيف وصلت إلى هذه الحالة. كثيرًا ما وقفت أمام المرآة متسائلة: من أنت ؟… لم تسمع إجابة.
وقفت هناك على الجانب الآخر تراه يفعل ما كان يفعل معها، ويقول ما كان يقول معها، ويبتسم كما كان يبتسم معها… أظن أنها ما زالت هناك.
كانت تفعل ما تفعل كل يوم بقوة دفع آلية تخلو من أي حياة، ترسم ابتسامة على شفاه الآخرين وهي تدمع من الداخل. تتحدث ولسانها صامت، تأكل طعامًا لا يُبلع، ترتدي وتخرج وتسهر وترحل وحيدة.